للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من علماء الأزهر، ثم ألقيت الرحال بالمدينة حيث استقر والدي، وعكفت على القراءة والإقراء، فكنت ألقي عدّة دروس متطوعًا وأتلقى عدّة دروس في التفسير والحديث، وأعانتني تلك الحافظة على استيعاب أسماء الرجال وحفظ كتب كاملة في الحديث، وكنت أغشى ثلاث مكتبات جامعة غنية بعشرات الآلاف من المخطوطات النادرة: مكتبة شيخ الإسلام ومكتبة السلطان محمود ومكتبة شيخنا الشيخ الوزير التونسي مع مكتبات أخرى شخصية، فبلغت منها غايتي حفظًا واطلاعًا مدّة خمس سنوات وشهور.

هذا الطور من حياتي هو الذي تفتح فيه ذهني للأعمال العامة، فشاركت برأيي في الآراء المتعلقة بالسياسة العامة للدولة العثمانية، وفي علاقة العرب بها، وفي الإصلاح العلمي بالحرم المدني، وبإشرت هذا الأخير بنفسي مع ثلة من شباب الطلبة المتنورين، وقد كاد ينجح ويؤتي ثمراته لولا أن فاجأتني الحرب العالمية الأولى ثم ثورة الشريف حسين بن علي التي كنت من المقاومين لها بقلمي ولساني، ثم كانت هي السبب في إجلاء سكان المدينة عنها. إلى الشام والاناضول.

[انتقالي إلى دمشق]

كنت أنا ووالدي من المرحّلين من المدينة إلى الشام في النصف الأخير من سنة ١٩١٦، فاستقررت بدمشق في حالة يرثى لها، واتصل بي إثر وصولي جماعة من أهل العلم والفضل، واتصل بي جمال باشا بواسطة عون من أعوانه هو نقيب الأشراف السابق يريدني على أن أخدم سياسته بقلمي ولساني، فتجافيت عن ذلك بتحايل لطيف، واتصل بي كثير من أصحاب المدارس الأهلية العربية، فقبلت التعليم عندهم لأقوم بحاجتي وحاجة والدي وأتباعنا، ثم حملني جمال على أن أكون أستاذًا للعربية في "السلطاني" وهو المدرسة الثانوية الأولى بدمشق، وما كدت أباشر عملي فيها حتى ذهب جمال باشا ثم ذهب السلطان التركي بعده بقليل، وأصبح التعليم الرسمي كله عربيًا، فأصبحت بذلك أستاذًا للآداب العربية وتاريخ اللغة وأطوارها وفلسفتها بالمدرسة السلطانية الأولى، واطمأنت بي الدار إذ وقعت على وظيفتي الطبيعية، وتخرج على يدي في ظرف سنة واحدة جماعة من الصفوف الأولى هم اليوم في طليعة الصفوف العاملة في حقل العروبة.

[رجوعي إلى الجزائر]

كان الأمير فيصل بن الحسين حينما دخل دمشق يريدني على الرجوع إلى الحجاز لأتولى إدارة التعليم فيه، وكان يلح عليّ في ذلك كلما لقيته، وهو صديق لي منذ كنا نجتمع بالمدينة في حضرة أخيه الأمير علي، وأنا غير راض عن سياسة أبيه وغير مطمئن إلى حكمه

<<  <  ج: ص:  >  >>