للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فلسطين (١)]

تصوير الفجيعة *

ــ

يا فلسطين! إن في قلب كل مسلم جزائري من قضيتك جروحًا دامية، وفي جفن كل مسلم جزائري من محنتك عبراتٍ هامية، وعلى لسان كل مسلم جزائري في حقك كلمة مترددة هي: فلسطين قطعة من وطني الإسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير؛ وفي عُنق كل مسلم جزائري لك- يا فلسطين- حقٌ واجبُ الأداء، وذمام متأكِّد الرعاية، فإن فرّط في جنبك، أو أضاع بعضَ حقك، فما الذنب ذنبُه، وإنما هو ذنب الاستعمار الذي يحول بين المرء وأخيه، والمرء وداره، والمسلم وقبلته.

يا فلسطين! إذا كان حب الأوطان من أثر الهواء والتراب، والمآرب التي يقضيها الشباب، فإنّ هوى المسلم لك أن فيك أولى القبلتين، وأنّ فيك المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وإنك كنت نهاية المرحلة الأرضية، وبداية المرحلة السماوية، من تلك الرحلة الواصلة بين السماء والأرض صعودًا، بعد رحلة آدم الواصلة بينهما هبوطًا؛ وإليك إليك ترامت همم الفاتحين، وترامت الأيْنُق الذلل بالفاتحين، تحمل الهدى والسلام، وشرائع الإسلام، وتنقل النبوَّة العامة إلى أرض النبوات الخاصة، وثمار الوحي الجديد إلى منابت الوحى القديم، وتكشف عن الحقيقة التي كانت وقفت عند تبوك بقيادة محمد بن عبد الله. ثم وقفت عند مؤتة بقيادة زيد بن حارثة، فكانت الغزوتان تحويمًا من الإسلام عليك، وكانت الثالثة وِرْدًا، وكانت النتيجة أن الإسلام طهرك من رجس الرومان، كما طهر أطراف الجزيرة قبلك من رجس الأوثان.

داست حماك سنابك الخيول البابليَّة، وجاست خلال الديار، وسُبي بنوك (أسلاف الصهيونيين)، فلم ينتصر لك ولا لهم أحد، لولا أن منّ عليهم الفاتحون المستعبدون، وإن


* نشرت في العدد ٥ من جريدة «البصائر»، ٥ سبتمبر سنة ١٩٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>