للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرحام تتعاطف *

طالما نعينا على المسلمين خصوصًا، وعلى الشرقيين عمومًا، هذا التقاطع الذي شتّت شملهم، وفرّق جامعتهم، وصيّرهم لقمة سائغة للمستعمرين، وطالما شرحْنا للمسلمين أسرار التواصل والتراحم والتقارب الكامنة في دينهم، وأقمنا لهم الأدلة، وضربنا لهم الأمثال، وسُقنا المَثلات، وجلونا العبر، وكانت نُذر الشر تتوالى، فيتمارَوْن بها، وصيحات الضحايا منهم تتعالى، فيصِمُّون عنها، والزمن سائر، والفلك دائر، وهم في غفلة ساهون.

دعوناهم إلى الجامعة الواسعة التي لا تضيق بنزيل، وهي جامعة الإسلام، إلى الروحانية الخالصة التي لا تشاب بدخيل، وهي روحانية الشرق، وحذّرناهم من هذه الأفاحيص الضيقة، والوطنيات المحدودة، التي هي منبع شقائهم ومبعث بلائهم، وبيَّنا لهم أنها دسيسة استعمارية، زيّنها لهم سماسرة الغرب، وعلماؤه وأدلّاؤه، وغايتهم منها التفريق، ثم التمزيق، ثم القضم، ثم الهضم، وأنّ الاستعمار- بهذه الدسيسة وأشباهها- يُفسد فطرة الله فيهم، وينقُض دين الله عندهم، ففطرة الله تُلهِم نصر الأخ لأخيه، وحماية الجار لجاره، ودينُ الله يوجب حقوق الأخوة، ويدعو إلى إيثار الجار والإحسان إليه، وهو بهذا يُعمِّم التناصر، ويقيم في الأرض شرعة التعاون، فما من جار إلا له جار، والناس كلهم متجاورون، جوار الدار للدار، فجوار القرية للقرية، فجوار المدينة للمدينة، فجوار الوطن للوطن، فإذا أخذوا بهذه الشرعة وأقاموا حدودَها عمّ التناصر والتعاون، وسدّت المنافذ على المغيرين، وعلى المفسدين في الأرض، ولكنّ الاستعمار- بهذه الدسيسة- بدّل شرعة الله بشرعة الشيطان، فهو يقول لك: أقصِر اهتمامك على دارك، ولا تلتفتْ إلى دار جارك، ويوسوس للجار بمثل ذلك، حتى إذا أطاعاه خرّب الداريْن، واستعبد الجارين.


* نشرت في العدد ١٤٨ من جريدة «البصائر»، ٢٦ مارس سنة ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>