للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *

- ٢ -

أتمثّله محمديّ الشمائل، غير صخّاب ولا عيّاب، ولا مغتاب ولا سبّاب، عفًّا عن محارم الخلق ومحارم الخالق، مقصور اللسان إلا عن دعوة إلى الحق، أو صرخة في وجه الباطل، متجاوزًا عما يكره من إخوانه، لا تنطوي أحناؤه على بغض ولا ضغينة.

أتمثّله متقلّبًا في الطاهرين والطاهرات، ارتضع أفاويق الإصلاح صبيًا، وزُرَّتْ غلائلُه عليه يافعًا، فنبتَت في حجره، ونبتت قوادِمُه في وكره، ورفرفت أجنحته في جوّه، لم يمسَسْه زيغ العقيدة، ولا غشيت عقله سُحُب الخرافات، بل وجد المنهج واضحًا فمشى على سوائه، والأعلام منصوبة فسار على هداها، واللواء معقودًا، فأوى إلى ظله، والطريق معبّدًا فخطا آمنًا من العثار، فما بلغ مبلغَ الرجال إلا وهو صحيحُ العقد في الدين، متينُ الاتصال بالله، مملوءُ القلب بالخوف منه، خاوي الجوامح من الخوف من المخلوق، قويّ الإيمان بالحياة، صحيح النظر في حقائقها، ثابت العزيمة في المزاحمة عليها، ذلق اللسان في المطالبة بها، ناهض الحجّة في الخصومة لأجلها، يأبى أن يكون حظُّه منها الأخسّ الأوكس، أمن بعقله وفكره أن يضلّل في الحياة كما أمن بهما أن يضلّل في الدين.

"وفي الحياة كما في الدين تضليل" (٢)

يا شباب الجزائر!

ما قيمة الشباب؟ وإن رقَّت أنداؤه، وتجاوبت أصداؤه، وقُضِيَتْ أوطارُه وغلا من بين أطوار العمر مقدارُه، وتناغت على أفنان الأيام والليالي أطيارُه، وتنفَّست عن مثل روح الربيع أزهاره، وطابت بين انتهاب اللذات واقتطاف المسرّات أصائله وأسحاره.


* نشرت في العدد ٦ من جريدة «البصائر»، ١٢ سبتمبر سنة ١٩٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>