للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دور الدول الإسلامية

في المؤتمر الأسيوي - الأفريقي *

أيها المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يحسن في الذوق الاجتماعي اللطيف الذي يستحلي السرى والسلامة للإنسانية كلها أن يسمى المؤتمر الافريقي- الأسيوي جنة لأنه لم يحضره شيطان، وشياطين هذا العصر هم دعاة الاستعمار، وأحق الناس بدخول هذه الجنة هم قادة المسلمين ورجال حكوماتهم، ويزيد استحقاق المسلمين بدخول هذه الجنة تأكدًا أن المؤتمر خاص بأفريقيا وآسيا، والإسلام متأصل فيهما وجميع المسلمين مستقرين في هاتين القارتين، ونتمنى أن يكون شهود هذا المؤتمر هم العوذة من الشيطان حتى لا يوسوس بخلاف وهو خارج الدار، ولا ينفث الشر وهو وراء الأسوار، فإنه كأخيه شيطان الجن قادر على ذلك، وكما أن شيطان الجن يَعِدُ الإنسان ويمنيه ولا يمنيه إلّا غرورًا، كذلك شيطان الاستعمار شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وللافريقيين والأسيويين موعظة بالغة في العرب، فقد وعدهم الاستعمار الغربي في الحرب الأولى بوحدة تجمع شملهم، ومنّاهم بخلافة تعيد مجدهم، وملك طويل عريض يظللهم لواؤه على أن يكونوا معه في الحرب وقودًا لها، فلما انتصر وقضى الوطر مزقهم قطعًا وقطعهم في أرضهم أممًا، وضرب بعضهم ببعضهم ليستذلهم جميعًا ويستغلهم جميعًا ويكون سيدهم جميعًا، وأصبح العرب الطامعون في الغنيمة هم الغنيمة، وجاءت الحرب الثانية متصلة الأسباب بالأولى فجدد الوعد بلون آخر، وأكد العهد بيمين أخرى، وتجدد منهم الانخداع مع الأسف، لأنه هيأهم لذلك في فترة ما بين الحربين، فلما انتصر ثانية كان جزاؤهم أن نزع منهم فلسطين وأعطاها لليهود علانية، ووضع في جنوبهم شوكة لا يقر لهم معها قرار ولا يهدأ مضجع، إن تركت أهلكت وإن نكست آلمت، أما استنزاع هذه الشوكة فلا يتم إلّا


* حديث أُلقي في إذاعة صوت العرب بمناسبة انعقاد المؤتمر الافريقي- الاسيوي الأول في مدينة باندونغ بأندونيسيا، القاهرة، ماي ١٩٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>