للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القلوب بالإحسان ليس من طبعها ولا من سيرتها، وأن تحطيم المقاومة المادية لا يغني ما لم تحطم المقاومة الروحية، فعمدت إلى وضع برنامج واسع طويل عريض لضمان بقائها في الجزائر يجمعه مع طوله وتشعّب فروعه قولك: "إفساد معنويات الشعب" ومن أقوى المعنويات الدين، فبدأت بالاستيلاء على الأوقاف الإسلامية وأحالت كثيرًا من المساجد إلى كنائس، ثم شرعت في تنفيذ برنامجها البطيء، فضيّقت على دروس الدين، ودروس العربية لأنهما حافظا المقوّمات الروحية حتى ينسى الناس دينهم ولغتهم بالتدريج وتسلّطت على بقية المساجد تتصرف فيها تصرفًا مطلقًا. فهي التي تعيّن المفتين والأئمة والمؤذّنين والقَوَمة وكل من له تعلّق بالمسجد، فتوصلت بذلك إلى إفساد هذه الطائفة الدينية بالرغبة في الوظيفة والتعلّق بها، حتى أصبح رجال الدين كلهم جواسيس لها ومخبرين وحالتهم اليوم أتعس حالة، وأقبح مثال من مخالفة الوظيفة لمعناها، فالإمامة في الإسلام منصب جليل وصاحبه قائد روحاني يقلب قلوب الناس بخطبه الدينية في بيوت الله، والمساجد أجواء روحانية يعطرها الإمام الصالح العارف بما يخرج من فيه، بل من روحه ويتصل بنفوس، فإذا هي تفعل فيها فعل المطهر الكيميائي الذي يبيد الحشرات والجراثيم.

كان من وسائل فرنسا لإفساد المعنويات هذه الأعمال التي نذكرها مسرودة، وكل واحد منها موضوع بالقصد لغاية، أو لغايات ينتهي إليها بالطبيعة إذا لم يجد في طريقه مقاومة طبيعية أو صناعية:

١ - حماية الدجّالين والمضلّلين باسم الدين من شيوخ الطرق الصوفية، وقد جنت فرنسا من هؤلاء كل خير لنفسها، فقد كانوا مطاياها وجنودها الروحيين في احتلال الأوطان الإسلامية، ويقول بعض المغفلين إنهم هم الذين نشروا الإسلام في أواسط افريقيا وفي السودان، وهذا تخليط. فإن الذين نشروا الإسلام في تلك الأصقاع هم طائفة من أجدادهم الصالحين بمعونة التجّار، أما هؤلاء الأحفاد فما نشروا إلا الاستعمار الفرنسي.

٢ - نشر الفجور وحمايته.

٣ - نشر الخمر لإتلاف الأموال وإفساد العقول، وكم خربت معها الرذيلة من بيوت، وكم أتت على ثروات، وكم نقلت من مئات آلاف الفدادين من الأراضي الخصبة من يد أصحابها المسلمين إلى أيدي اليهود، ثم إلى أيدي أوزاع أوربية يسمونها المعمّرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>