للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل الدين عن الحكومة (١٢)]

أهذه هي المرحلة الأخيرة من قضية:

فصل الحكومة عن الدين *

ــ

- ٢ -

قطعت هذه القضية في تاريخ الاستعمار مراحل عدة، لا نعدّ منها مرحلة التسليم، ولا مرحلة الاستلام، وإنما نعد منها مراحل المقاومة والمطالبة، التي جاءت بعد أن

نام الاستعمار ملء جفنيه، اطمئنانًا إلى أن القضية تمت كما يريد ويتمنى، ونامت نومة الأبد، وكيف لا يطمئن من يشرع المنكر، ويسن الباطل، فلا يسمع نأمة اعتراض؟ كيف لا تطمئن حكومة مسيحية تنصب مسيحيًّا على رأس جمعية دينية إسلامية، فلا ترى من المسلمين غضبًا ولا استنكارًا؟ وهل في باب النكاية بالإسلام وأهله أبلغ من هذا؟ وهل هذا إلّا صورة مقنعة مما أصاب الإسلام في إسبانيا؟ وهل هو إلّا مقدمة لمحوه وترحيله من هذا الوطن؟ وهل هو إلّا ميراث لاتيني تتسلمه أمة منهم من أمة؟ لعمر الحق ... إنها لوخزة مؤلمة للمسلمين، ولكنها وخزة مقصودة للتجربة الأخيرة لهذا الجسم، لينظر أيتحرك ويتألم؟ أم يسكت فلا يتكلم؟ ولكن هذه التجربة أسفرت كما ترى وتسمع عن نار كانت كامنة فاشتعلت، وصرخات كانت مكبوتة فانفجرت، ومقاومة زعزعت عرشي "ميشال" و"دورنو" وزلزلت الأرض بمن ظاهروهما بالسكوت والرضى، ولكن الحكومة- وقد أفلت منها رأس الحبل- أبت إلّا أن تمسك بوسطه، فأصبحت تشكل الجمعيات الدينية الإسلامية بالوحي السري، أو بالعمل العلني، وتقيم عليها رجالًا ليسوا مسيحيين ولكنهم أطوع لها، وأسرع في تنفيذ أغراضها من المسيحيين.

ولقد فاوضني- منذ سنتين- رجل مسؤول من رجال الحكومة في تجديد الجمعية الدينية الصورية القائمة بالعاصمة، على أساس أن نتقاسم، فنختار رجالًا وتختار الحكومة رجالًا تتألف الجمعية من جميعهم، فأسلست له لأرى ما عنده، وتسهّل معي ليرى ما


* نشرت في العدد ١٣٨ من «البصائر»، ٢٢ جانفي عام ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>