للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق ثم تفيء إليه عند ظهوره، بل لتؤلف قاموسًا من الجمل- التي هي لباب الحق- فتنسقها في ملفات، فتحاسبنا عليها متى عرضت دورة فوق العادة، أو فورة فوق القانون.

ونحن لا يهمنا هذا، لعلمنا أنها ما كانت حكومة إلّا لهذا، وإنما يهمنا أن تتمادى على السكوت، والسكوت لا يثبت حقًّا، ولا ينفي باطلًا، وأن تعطل القوانين التي ما كانت حيث هي إلّا لتنفيذها، وأن تصر على الحنث العظيم، وهو التصرّف المطلق في دين ليس منها، وليست منه، مع وجود أهله المستوفين لشروط القيام به، والقدرة عليه، والمعرفة بآدابه، والائتمان على أعماله، ونعني بهذا (الأهل) الأمة الجزائرية المسلمة بمجموعها، لا فردًا بعينه، ولا طائفة بوصفها، ولا جماعة بنسبتها.

لم نسمع من هذه الحكومة لأن بيننا وبينها حجابًا من غضبها علينا، وإعراضها عنا، واستخفافها بنا، وإنما سمعنا ممن سمع منها- أنها تحتج حين يفحمها الجدل، وتلحمها الحجة، بأنها لم تجد من تسلم له المساجد، أو تضع القضية بحذافيرها في يديه، لأن المسلمين- زعمت- مختلفون، فإذا ما اتحدوا على رأي، أو تواطأوا على جماعة، دفعت إليهم (دينهم).

وقد قلنا لها في صراحة المحق الجريء: إنك أنت أصل الشقاق، ومنبع الخلاف، وكيف يمكن قطع خلاف أنت فاتحة أبوابه، وأنت مسببة أسبابه؟ فما جعل المسلمين مختلفين في قضية دينية محضة إلّا أنت، وما بذر الشقاق بينهم إلّا يداك. كان الدين الإسلامي بطبيعته لا يتأثر بالمصالح الدنيوية، فلم تزالي برجاله حتى أفسدتِ فطرتهم الدينية وصيرت الإمام في المحراب كالجندي في الميدان، والبوليس في الشارع، والقائد في الدوار، يسابق في الخدمة وينافس في الزلفى، ويزاحم على الدرجة ويتطلع إلى النيشان، تلوحين بالمطامع والوظائف لطائفة فتلتفّ حولك، وتمدين لها في جاه زائف ورتب نازلة فتزداد تعلقًا بك، وتنقضين شروط الكفاءة الدينية بالكفاءة الإدارية، فتنقضين بذلك أصلًا من أصول الإسلام، وتتساهلين حيث يجب التشدد في اعتبار الشهادة العلمية، والقيمة الأخلاقية، وتُروّضينهم على أسوإ ما يُربى عليه رجل الدين في الإسلام، وهو التوجه إلى الحكومة والوقوف بأبوابها، ثم أشعرتهم بأن أمرهم كله إليك، وأن رزقهم كله في يديك، وتفاقم الأمر حتى أصبح عادة، فوصلوا أسبابهم بك وقطعوها من الدين، وآمنوا بأن الأمر إليك فكفروا بجماعة المسلمين، فلما انتهى الأمر إلى هذا الحدّ، وآتت أعمالك ثمارها المرة، سلطت بعضًا على بعض، لتشغلي بعضًا ببعض وتستريحي.

الحكومة تخلق الخلاف لتتخذ منه عذرًا لإبقاء ما كان على ما كان؛ هذه هي الحقيقة، فإذا كان في بيانها إغضاب الحكومة فإن فيه إرضاء الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>