للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلمة لصحيفة "الأهرام" *

أنا مدمن قراءة من عهد الصغر، فقد بدأت قراءة الكتب وعمري تسع سنوات في السنة التي فرغت فيها من حفظ القرآن، وكان أستاذي- وهو عمّي شقيق والدي الأصغر- يتولّى تربيتي وتوجيهي، ويأخذني- مع حفظ القرآن- بحفظ مختارات من الشعر العربي البليغ في معانيه، الفصيح في ألفاظه، الغريب في فهمه؛ فما حفظت القرآن حتى كنت أحفظ معه بضعة الألف بيت من الشعر ما بين أبيات مفردة ومقطع مع فهم المفردات، وأعانني على الفهم ما صحب حفظي للقرآن من حفظ الكثير من الألفاظ اللغوية الفصيحة من كتاب "كفاية المتحفّظ" للأجدابي، و "الفصيح" لثعلب و "الألفاظ الكتابية" للهمداني. من ذلك الحين شغفت بالقراءة، وكان عمي ينير لي الطريق ويسايرني من إرشاده في كل داجية كوكب وفي كل معضلة تعترضني شعاع هاد فيختار لي ما أقرأ لتستقيم ملكتي من الصغر، وقد وجّهني أول ما وجّهني إلى رسائل بلغاء الأندلس وأشعار شعرائها، فعكفت- زيادة على دروس الدين والقواعد- على قراءة الموجود من رسائل أبي عامر بن شهيد، وابن برد، وابن أبي الخصال، وأبي المطرف بن عميرة، ولسان الدين بن الخطيب من كتابه ريحانة الكتاب، والموجود من أشعار ابن زيدون وابن عمّار وابن شهيد وابن دراج القسطلي، وابن خفاجة، وبعض هذه الرسائل كانت مخطوطة في مكتبة أسلافي، وبعضها نجده في الكتب المؤلفة في تاريخ العلماء والأدباء بالأندلس مثل نفح الطيب، وقد كررت تلك الرسائل والدواوين مرات متعددة كدت أحفظ معظمها، وكان عمّي يتعصّب للأدب الأندلسي ويبدي ويعيد في استحسانه ويعدّه أقرب لمزاجنا وأكثر ملاءمة مع روحانيتنا وعواطفنا.

ولما بلغت من العمر أربع عشرة سنة لحق عمّي بربّه وكان قبل وفاته بسنتين أو ثلاث وجّهني لقراءة كتب المشارقة التي تجمع بين جزالة التركيب ووضوح المعاني، كالبيان


* كلمة نُشرت في صحيفة "الأهرام" بالقاهرة، في أوائل الخمسينات.

<<  <  ج: ص:  >  >>