للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرار من العجائب أنه صرّح بأن اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر، وأن كل جريدة تصدرها جمعية العلماء فهي معطلة من قبل أن توجد، ولا يشبه هذا القانون المجنون إلا الحكم بالإعدام على من لم يخلق. وسخرت الجمعية من هذا القرار، وأصدرت- بعد مدة- جريدة «البصائر» فسكت الاستعمار ومحا قراره بيده، وبقيت «البصائر» سائرة في طريقها، ناصرة لفريقها إلى أن قامت الحرب العالمية الثانية، فعطلناها باختيارنا، لأننا لا نستطيع أن نقول ما نريد، ولا نرضى أن نقول ما يراد منّا، فلما انتهت الحرب وما استتبعته من نفي واعتقال أعدنا صدورها، وهي سائرة على منهاجها القويم إلى الآن، فخورة بالمواقف المشهودة التي وقفتها في قضايا الجزائر ومراكش وتونس وليبيا وفلسطين، وقد شهد الموافق والمخالف بأنها مواقف لم تقفها جريدة عربية على الإطلاق، ومجاميعها بلغت تسعة مجلدات، مسجّلة لأعمال جمعية العلماء.

من علم ما في هذا الفصل- وهو الواقع - علم مصدر الصيحة الأولى في وجه الاستعمار الفرنسي.

[مالية جمعية العلماء]

ليس لهذه الجمعية الكبيرة الأعمال، الكثيرة المشاريع، مورد مالي قار وهي تعتمد في تسيير مشاريعها الضخمة على الأمة من طريق اشتراكات سنوية يدفعها الأعضاء العاملون والمؤيدون أو تبرعات الأنصار أو زكوات يدفعها الموسرون المؤمنون، وفرنسا واقفة بالمرصاد: فكل من بلغها إعانته لجمعية العلماء انتقمت منه بتعطيل مصالحه حتى رخصة الحج، أو بفرض ضرائب ثقيلة على مورد رزقه.

وصندوق جمعية العلماء يموّن عدّة مشاريع متمايزة بميزانيتها. فـ «البصائر» تعيش معيشة ضيّقة على أثمان الاشتراكات والمبيع، والعجز السنوي ملازم لميزانها كما هو الشأن في جرائد المبادئ، والمكتب الدائم ينفق على موظفيه وكتابه وسائر ضرورياته من حساب الاشتراك السنوي الذي تجمعه الشُّعب، والمعهد الباديسي له ميزانية خاصة على التفصيل الآتي، تتغذّى من الزكوات التي يدفعها المؤمنون بالله، ومن اشتراكات سنوية تشترك فيها طبقات كثيرة.

هذه الأمة الفقيرة التي أجاعها الاستعمار هي التي بنت بِدُرَيْهِمَاتِهَا صروحًا للعلم وحصونًا لأبنائها، وهي التي تعهّدت بتعمير تلك الحصون والإنفاق عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>