للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأديان الثلاثة في الجزائر *

تتجاور في الجزائر أديان ثلاثة، أصلها من السماء وإن أخلد أتباعها إلى الأرض، وأساسها التوحيد وإن شانها أهلها بالتثليث أو الوثنية، وكتبها وحي إلهي، ولكن وصمها بعضهم بالتحريف والتبديل، وخلطها بعضهم بالأجنبي والدخيل، وعاملها بعضهم بالتأويل والتعطيل.

أما الإسلام فهو أوثقها اتصالًا بالأصول السماوية، وأوسعها امتدادًا مع التاريخ، وأبقاها أثرًا في صحائفه، وأعمقها تأثيرًا في نفوس معتنقيه لملاءمة روحه روحهم، ولمناسبة الفطرة فيه وفيهم، ولأن تأثرهم به كان عن اقتناع لا عن إكراه، ولأن الجانب الإنساني الاجتماعي هو أرحب الجوانب فيه، وكان الإسلام- لأول انتشاره- يتتبع مواقع الفطرة الإلهية، وينتجع مساقطها، لذلك نرى الأمم التي دانت به فأخلصت له هي الأمم القريبة العهد بالفطرة وسماحتها، على حين أن الأمم التي عبدتها المادة، وعقدتها الحضارة، وغمرتها شهوات العقل- أو شهوات الجسد- لم تدن بالإسلام إلّا على حرف، ولم تخلص سرائرهم إليه الإخلاص المذعن العميق، وفي أمة البربر وأمة فارس شاهد لا يكذب في ذلك.

جاء الإسلام إلى هذا الشمال فوجد من اليهودية عرقًا ناشزًا منتبرًا، ومن النصرانية عرقًا سائسًا نخرًا، فقضى عليهما بسماحه، ولم يقض على أهلهما لسماحته، وأعانه على ذلك بعدهما عن الفطرة، وحرج مدخلهما إلى النفوس، فاليهودية دين لا يدخل إلّا في النفوس الفارغة أو التي أجمت (١) الوثنية، فهي تتطلب ما يسد الفراغ أو يدفع الملل، زيادة عن كونها لم تصحبها دعاية ولا إقناع. والنصرانية دخلت هذا الوطن في ركاب الغزاة الرومانيين


* نظرت في العدد ١٣ من «البصائر»، ١٠ نوفمبر ١٩٤٧.
١) عافت وكرهت.

<<  <  ج: ص:  >  >>