للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقوق الجيل الناشئ علينا * ...

للجيل الآتي علينا حقوق أوّلية مؤكّدة، لا تبرأ ذممنا منها عند الله، ولا تسقط شهادة التاريخ علينا بها، إلا إذا أدّيناها لهم كاملةً غير مبخوسة؛ وملاك هذه الحقوق أن نعدّهم للحياة على غير الطريقة التي أعدّنا بها آباؤنا للحياة.

الأخلاق والآداب والأفكار والإحساسات والاتجاهات العامة والمشخّصات الخاصة، هي "الأمتعة" التي يرثها جيل عن جيل، ومنها يتكوّن مزاجه صحةً واعتلالًا، فماذا ورثنا عن آبائنا؛ وماذا نورّث أبناءنا منها؟

ليس من العقوق أن نقولَ: إن آباءنا لم يورثونا شيئًا نافعًا من هذه الأمتعة، وليس من العقوق أن تقول: إن أباك خلفك فقيرًا ... إذا كان عاش فقيرًا، ومات فقيرًا. بل من الإنصاف لهم أن نقول: إنهم ورثونا هذه الصفقة الخاسرة التي هي رأسُ مالنا اليوم، من أخلاق لا تزنُ جناحَ بعوضة، وآداب لا تستقيم عليها حياة، وأفكار بدائية لا تجول في المدار الواسع من الحياة، وعقول تقدّر فتخطئ، وتدبِّر فتبطئ، وإحساسات مذبذبة، واتجاهات خاطئة مدبّرة؛ وغير ذلك مما تركنا غرباءَ عن عصرنا وأهل عصرنا، وصيّر الحياةَ منا في غير دار إقامة ... فهل يحسن بنا أن نورّث بنينا هذا السقط من الأمتعة بعد شعورنا ويقيننا بعدم كفايتها للحياة؟

يعذر هذا الجيل الذي نحن منه، بأنه استلم التركة العامة أدوات معطلةً، وأسلحةً مفلولة، وأجهزةً بالية، من جيل انتهى به زمنه إلى درجة من الإفلاس المادّي والأدبي، صيّرته في غير زمنه، ولكنه لا يعذر إذا سلّمها- كما هي- إلى الجيل الآتي ويقترف جريمةَ غش لا تغتفر إذا حمل أوزاره وأوزار أجيال قبله على الجيل الآتي، بعد أن كشف عررها، وتبيّن ضررها.


* نشرت في العدد ١٤٥ من جريدة «البصائر»، ٥ مارس سنة ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>