للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجزائر *

في الجزائر مواريث ثمينة، ومعادن دفينة، وخصائص مكينة من فضائل جذمين عريقين هما يعرب ومازيغ، ومن مآثر أمّتين عظيمتين هما العرب والبربر، فكل ما عرفه التاريخ عن الأمّتين من الأخلاق الكريمة والفضائل، وشهد به وسجّل، هو متماثل متقارب فيهما كالشجاعة والشهامة والإباء والحفاظ وحماية الحقيقة، والكرم والصدق في القول والفعل، والوفاء بالعهد والوعد، والمحافظة على الجار إلى حدّ الموت في سبيله، والانتصار للضعيف، والإحسان في محلّه، وإغاثة الملهوف، يصرف ذلك كله فيهم قلوب ذكية ومعاطس حمية، وكل ذلك ظاهر المخايل والمشابه في أخلافهم الجزائريين المتحدرين من تلك السلائل الكريمة.

وقد تماسّت الأمّتان في عصور عريقة في القدم وتنَفّست الجزيرة العربية بعدة موجات من الهجرة إلى الشمال الإفريقي يشير التاريخ إلى بعضها، وتشهد السمات والسحن والشمائل بالباقي، وان تلك القبائل المهاجرة اندمجت في البربر وامتزج القليل في الكثير فتكون مزاج من التأثّر والتأثير بينهما، وتجاوبت تلك الخصائص، وتقاربت المنازع في الأمّتين، وما تمّ الامتزاج إلا لأن الخصائص الجنسية فيهما كانت متقاربة متجانسة تسهّل الامتزاج وتمهّد للفعل والانفعال.

ووصل الإسلام إلى الجزائر قلب الشمال الإفريقي في بضع عشرات من السنين من شروق شمسه يحمل الخير والسلام والهداية ومكارم الأخلاق، فشدّ ما وجد من تلك الخلال الكريمة وأحكم، وطابع الإسلام المعروف هو تقريب المتباعدين وتوحيد المتنافرين، فكانت الطبيعة البربرية أسرع إلى تقبل تعاليمه مما كان ينتظر، وإذا شوهد بعض تلكؤ عن الإذعان فذلك من آثار اليهودية التي طاف طائفها ببعض القبائل قبل الإسلام كرهط الكاهنة


* هذا جزء مكتوب عثرنا عليه من محاضرة ألقاها الشيخ في مركز الشبان المسلمين بالقاهرة، سنة ١٩٥٧، ونشرت في مجلة "لواء الإسلام"، العدد ١٢، يناير ١٩٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>