للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل دولة فرنسا لائكية *

(تعليق على كلمات في خطبة م. نيجلان في عين صالح)

ــ

لم نتعرّض في يوم من الأيام لأعمال الوالي العام الحالي، ولم نعلّق على خطبه بحرف، لأننا قوم نعمد في مقاومتنا إلى المبادئ لا إلى الأشخاص، ولا نتوجّه في حربنا إلى رجال الاستعمار، بل إلى الاستعمار الذي يتكلمون باسمه، فإذا زال الاستعمار رجع هؤلاء الرجال نَاسًا كالناس، أو ماتوا كمدًا عليه؛ ولأننا نرى أنه والٍ كالولاة في باب السياسة الجزائرية، وفي باب معاملة العربي الجزائري، وفرنسي كالفرنسيين في باب الاستعمار وفهمه والمحافظة عليه. وكلّ والٍ في الجزائر فهو مبعوث برسالة، ومتلق الوحي من فرنسا، فهو مبلغها، فعامل بها، فمنفّذ لها؛ وكل فرنسي معمر في أرض الجزائر، أو ممثل للاستعمار فيها، أو موظف في حكومتها، فهو جبّار في الأرض مفوّض عليها، معتقد أنه ملك بين رعايا، ومالك بين عبيد، فالمعمر كله أنانية واستئثار، والحاكم كله ترفّع واحتقار، والموظف كله سخرية وانتهار، والحالة هي الحالة، تختلف مشارب الولاة ونزعاتهم الحزبية، فإذا جاءوا هنا كانوا شيئًا واحدًا! لذلك قلنا قديمًا:

لا يقتضي تحوّل الأحوال ... ذهاب والٍ ومجيء وال

وإلى الآن لم يرزقنا الله حاسّة ندرك بها الفرق بين فرنسي وفرنسي من الطراز الذي ذكرناه، بل الذي أدركناه، وشهدت به التجارب القطعية أنهم نسخ من كتاب، فالعالم، والنائب، والجندي، والحاكم، والموظف البسيط، والفلّاح، كلهم في ذلك سواء، وكلهم جار فيه على جبلة كأنها من الخلقيات التي لا تتغير، ومن زعم فيهم غير هذا فهو مخدوع أو مخادع.

وأخرى زهدتنا في الحديث عن هذه الخطب وهذه الأعماللإوهي أنها شرح للاستعمار، وقد عرفناه، وتغنٍّ بالقوّة، وقد آمَنَّا بأن الله أقوى، وصدى من كلام


* نشرت في العدد ١٠٣ من جريدة «البصائر»، ١٦ جابفي سنة ١٩٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>