للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائمة، وما زال في تونس جامع الزيتونة ثاني الأزهر يضمّ هو وفروعه آلافًا من طلّاب العربية والدين، وفي فاس جامع القرويين يتلو الزيتونة في الدرجة، أما الجزائر البائسة فلم يبق فيها من هذا أثر ولا عين كما أسلفنا في المقدمة، وإنما هي تعتزّ بعقيدتها وعروبتها، وتعيش بهما وتعيش لهما.

إننا لا نبعد إذا قلنا إن الجزائر أتعس حالًا من فلسطين، فمن وراء فلسطين دول وشعوب عربية وأمم إسلامية، وذكر لها في المحافل الدولية، وجدل عنيف في قضيتها يشترك القريب والأجنبي فيه، أما الجزائر المسكينة فليس لها شيء من هذا، ونعيذ أبناء العمومة أن ينسوها، وأن لا يقوموا ببعض حقها، وأن لا يستغلوا هذه القوة الكامنة في أبنائها.

[وزير فرنسي ينكر على فرنسا أعمالها البربرية]

لقد كنا حينما نتكلم مع إخواننا في الشرق عن المحن القاسية التي تتخبّط فيها الجزائر منذ قرن وربع، ونصوّر لهم شناعة الاستعمار الفرنسي، وتجر الأحاديث إلى الأرقام التي تضمنتها هذه المذكّرة، كنا نحسّ بشيء غير قليل من الخجل، خشية أن يحمل كلامنا على شيء من المبالغة والتهويل، حتى أراد الله أن يؤيد الحق بشهادة من فرنسي مسؤول، سبق له أن ولي الوزارة في بعض الحكومات الفرنسية، وشأنه كشأن سائر زملائه أن يحطب في حبل أمته، ولكنه رأى في هذه المرة من مصلحة دولته أن تقلع عن هذا التهوّر، وتجاهل العواقب الوخيمة وهاله هذا التخبّط الذي ترتكس فيه السياسة الفرنسية، نتيجة للحقد العنصري، والغرور والكبرياء اللاتينيين، فزار الجزائر على رأس وفد للبحث والدراسة، فبحث فعلًا ولقي قادة الحركات الجزائرية، وجاء بفكر مبني على السماع والظن، ورجع بفكر مبني على المشاهدة واليقين. ويظهر أن حضرة الوزير الفرنسي يحمل روحًا متألمة من حال دولته وأمته، فخشي عليها من العواقب التي تنتج عن الاستعمار في التهوّر، والإمعان في المطامع المهلكة، وعقد ندوة صحافية في باريس حضرها الكثير من المسؤولين، وألقى عليهم بيانًا شاملًا لكثير من الحقائق الواقعية، وتناول الأركان الثلاثة التي تبنى عليها السياسة الفرنسية التي ترمي إلى إذلال الجزائريين ثم إلى إفنائهم، وهي السياسة والاقتصاد والثقافة، ففضح بيانه الحكومة الاستعمارية للشعب الفرنسي وللرأي العام العالمي.

نقتصر من بيانه على النقطة الأساسية التي تهمّنا وهي الثقافة، لأن شهادته فيها مطابقة للواقع الذي كنا نتحدث به، ومؤيّدة للأرقام التي كانت تجري في أحاديثنا مع إخواننا، والصفات الوحشية التي كنا نصف بها أعمال الفرنسيين في الجزائر، وما كابدته الأمة الجزائرية- وجمعية العلماء خاصة- من العنت والإرهاق، وقد ترجمت معظم الجرائد العربية هذا البيان، نقلًا عن الجرائد الباريسية، فرأينا أن نقتطف منه ما يتعلق بجمعية العلماء

<<  <  ج: ص:  >  >>