للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد لبَّت الدولة الفرنسية بعض مطالب الجزائريين الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، ولكنها أصَمَّتْ أذنيها وأغمضت عينيها عن مطلبهم في القضية الدينية إلى أن طُرِدت من الجزائر.

لقد أكْثر الإمام الإبراهيمي جدالَ فرنسا في هذه القضية، وساق لها من الحجج الدينية والقانونية والتاريخية ما يُقْنِع لكي تنفض يديها من القضية، وتعيد الحق إلى أصحابه، ولكن القوة المادية جعلتها لا تُلقي السمع لأية حجة، ولا تقتنع بأي منطق، ولا تخضع لأي دليل.

وكما هاجم الإمام الإبراهيمي السياسة الفرنسية في هذا الميدان وكشف حقيقتها؛ صبَّ حِمَمَه وأرسل صواعقه على أدوات تلك السياسة، وما أدواتها إلا أولئك الأئمة الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، وأعطوا الدنية في دينهم، واختاروا أن يكونوا حجة عليه وعلى قومهم، ورَدُّوا مكانة الإمام أسفل سافلين، وهو ما أدى بالإمام الإبراهيمي أن يفتي بأن الصلاة وراءهم باطلة، خاصة بعد أن كشف أوغسطين بيرك- مدير الشؤون الأهلية في الولاية الفرنسية العامة في الجزائر- أن تعيين أولئك الأئمة لا يراعى فيه إلا خدمتهم للدولة الفرنسية (٥).

خامسًا: في الميدان السياسي:

حاول- وما يزال يحاول- الجَهَلَةُ والحَسَدَة أن ينكروا على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إسهامها الكبير في العمل الوطني لاستعادة الاستقلال واسترجاع السيادة، ويتمثل هؤلاء المنكرون في الشيوعيين، وفي المتعصبين من حزب الشعب الجزائري- حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وفي بعض الكتاب والصحفيين من جيل الاستقلال الذين يحتطبون في حبال هؤلاء وأولئك.

إن الحقيقة هي أن جمعية العلماء اهتمت- كما يقول الإمام الإبراهيمي- بـ"لباب السياسة" "لأن ديننا يعد السياسة جزءً من العقيدة ... ولأن السياسة نوع من الجهاد، ونحن مجاهدون بالطبيعة، فنحن سياسيون بالطبيعة" (٣٦).

وإذا كانت المعركة في الجزائر في جوهرها- منذ الاحتلال إلى استعادة الاستقلال-هي معركة بين "الفَرْنَسَة" وبين "العروبة"، وبين "النصرانية" وبين "الإسلام"؛ فإنه لم يكن لغير جمعية العلماء عمل دائب وفكر صائب في تلك المعركة، وذلك لسبب بسيط هو أن ذلك "الغير" لم يكن يملك أدوات تلك المعركة ووسائلها، فضلاً عن أن يدرك أبعادها،


٥٥) انظر مقال "شهادة الشيخ بيرك على رجال الدين- وشهد شاهد" في الجزء الثالث من هذه الآثار.
٥٦) انظر مقال "بداية النهاية" في الجزء الرابع من هذه الآثار.

<<  <  ج: ص:  >  >>