للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمون في جزيرة صقلية*

تقرأ هذا العنوان فتقول:

هذه جملة مفيدة ... فقد كان المسلمون في صقلية حقًا، فتحوها بسيوفهم ونشروا فيها كلمة التوحيد ونقلوا إليها قبسًا من حضارة الإسلام وتعاليمه، وشادوا فيها المساجد والمدارس، ومكّنوا فيها للغة العرب وآدابهم إذ كان ركاب الفتح من القيروان وكان قائد الحملة علمًا من أعلام التشريع والقضاء هو أسد ابن الفرات، ولبثوا فيها قرونًا اصطبغت في خلالها الجزيرة بالصبغة الإسلامية العربية حتى أخرجت من سلائل الفاتحين والداخلين أئمة في الفقه والدين ونوابغ في الطب والحكمة وقادة في الفكر والتدبير وفحولًا في الأدب والشعر وزوّدت المكتبة العربية بذخائر لم يبق من الكثير إلا أسماؤها.

تلك هي صقلية المضطجعة في عباب البحر الأبيض يفصلها عن (البر الكبير) نهر من المالح في مقدار غلوة رام، ويفصلها عن تونس مضيق في مقدار عشرات الأميال، فهي بذلك قريبة الموقع من أفريقيا وهي بانفصالها عن أوروبا كأنها تريد الفرار منها إلى تونس والاتصال بها فيقعدها العجز وكأن الفاتحين أدركوا ذلك فأتوها إذ لم تأتهم ووصلوها حين لم تصل إليهم.

وتلك الجملة المفيدة التي تقرأها في العنوان هي التي ألهم الأستاذ أحمد توفيق المدني تسمية كتابه المفيد، وهو كتاب جلّا فيه مؤلفه صحيفة من صحائف الفتح الإسلامي لأطراف أوروبا وجزائرها، وسد به نقصًا طالما شعر به الباحثون في تاريخ الإسلام كلما انتهى بهم البحث إلى تلك الحقبة من الزمن في تلك القطعة من الأرض، فأعوزتهم الوثائق والمستندات، لأن الموجود منها في تواريخنا العامة- مع صحته وصدقه- مشتت غير منظم ومضاف غير مستقل.


* "البصائر"، العدد ٢، السنة الأولى من السلسلة الثانية، ١ أوت ١٩٤٧م. (بدون امضاء).

<<  <  ج: ص:  >  >>