للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه هي الطريقة الواحدة التي اتبعها المسلمون الأولون فسعدوا باتباعها والاستقامة عليها، وهذا هو الإسلام متجليا في آيات القرآن، دين واحد جاء به نبي واحد عن إله واحد، وما ظنك بدين تحفه الوحدة من جميع جهاته؟ أليس حقيقًا أن يسوق العالم إلى عمل واحد وغاية واحدة واتجاه واحد على السبيل الجامعة من عقائده وآدابه؟ أليس حقيقًا أن يجمع القلوب التي فرقت بينها الأهواء، والنفوس التي باعدت بينها النزعات، والعقول التي فرق بينها تفاوت الاستعداد؟

بلى والله إنه لحقيق بكل ذلك.

...

إن الإسلام في جوهره لإصلاح عام منَّ الله به على العالم الإنساني بعد أن طغت عليه غمرة حيوانية عارمة، اجتاحت ما فيه من فطرة صالحة ركبها رب العالمين، وما فيه من أخلاق قيمة وشرائع عادلة قررها الهداة من الأنبياء والمرسلين والحكماء المصلحين، وصحبتها غمرة وثنية وقفت في طريق الفكر فعاقته عن التقدم وابتلته بما يشبه الشلل، وقطعت الصلة بين الإنسان وبين خالقه، وعبّدت بعضه لبعض، ثم عبدته للأصنام وعبدته للأوهام، ولكن الله تداركه برحمته فجاءه بالإسلام بعد أن مدت هذه الغمرات مدها، وبلغت حدها، واستشرف لحال خير من حاله ونور يجلو ظلمته، وكان ذلك النور هو الإسلام.

وكان مستقر الدين من نفوس البشر تتعاوره نزعتان مختلفتان وهما التعطيل المحض والشرك، وكان العالم كله يضطرب بين هاتين النزعتين وقد ملكتا عليه أمره فلا تسلمه المهلكة منهما إلّا للموبقة، ولم يسلم من شرهما حتى الملّيون الكتابيون، فجاءه الإسلام بالدواء الشافي وهو التوحيد الخالص مؤيدًا بالأدلة التي تبتدئ من النفس، وأن نظرة في النفوس حين تتجلى بغرائبها، ونظرة في الآفاق حين تتعرض بعجائبها لتفضيان بصاحبها إلى اليقين الذي لا شك بعده، وهذا هو ما حرمه البشر قبل نزول القرآن فوقفوا في الطرفين المتناقضين من شرك وتعطيل، وهذا هو ما دعا إليه القرآن فهداهم به إلى سواء السبيل.

[تفرق أهل الكتب السماوية في الدين قبل الإسلام]

تلتقي الأديان السماوية في كلمة سواء ومقصد أعلى وهو جمع أهلها على الهدى والحق، ليسعدوا في الدنيا ويستعدوا لسعادة الأخرى. بهذا جاءت الأديان المعروفة، وبهذا نزلت كتبها.

والقرآن الذي هو المهيمن عليها يخبرنا بأن كتاب موسى إمام ورحمة، وأن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل هدى للناس، وأنهما جاءا بما جاء به القرآن من الدعوة إلى عبادة إله واحد

<<  <  ج: ص:  >  >>