للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عادت لعترها لميس *

ولَميس هذه في مورد المثل هي امرأة كانت لها عوائد شر تعتادها، وأخلاق سوء تفارقها ثم تقارفها، لغلبة الفساد فيها وصيرورته أصلًا في طباعها- والعتر هو الأصل- فسيّرت العرب فيها هذا المثل.

أما في مضرب المثل فهي الإدارة الجزائرية، وعترها هو الاستعمار البغيض إلى كل نفس، وما يقتضيه من ظلم وعنت للمستضعفين، وما يبنى عليه من انتهاك لحرماتهم، وما ينتهي إليه من وحشية في معاملتهم، وقتل لمعنوياتهم، ومسخ لأخلاقهم.

كل الحكومات الاستعمارية تجعل معنويات الشعوب المغلوبة هدفها الأول فترميها بما يُضعفها، ولكن على التدريج لا على المغافصة، وبالحيلة لا بالقوة، وفي السر لا في العلن.

أما حكومة الجزائر فإنها تتعمّد تلك المعنويات بالقتل الوَحِيِّ عمدًا مع الإصرار، وجهرًا ليس فيه إسرار، وعنادًا لا رجوعٍ فيه، ولا توبة منه، وغاية أمرها أنها تسنّ القوانين القاتلة وتتناسى تنفيذها إلى حين، تغليطا للمغفلين وايهامًا للمنتقدين، فإذا عادها من جبروتها عيد، عمدت إلى تلك القوانين فأخرجتها كما يخرج السلاح لوقت الحاجة، فإذا اقتضتها الظروف شيئًا من التعمية والإيهام، وضعت تلك الأسلحة التي اسمها القوانين، في أيدي أسلحة بشرية ممن يلبس لباس هذه الأمة المسكينة وبدعى باسمها- كالعاصي مثلًا- وقالت له: "ارمِ بهذا، فإنما خلقتك لهذا، ورزقتك من أجل هذا، ورفعت ذكرك لمثل هذا، وانتخبتك لتنفيذ هذا، وأوطأت الناس عقبك لتقوم بهذا ... ارْمِ دينك باسم دينك، واخدع أمّتك باسم أمتك، واكذب على تاريخك باسمه، وعفّ رسومه بما بقي من رسمه ... أجهز على البقية الباقية ولك مني الجُنة الواقية، والمنزلة الراقية، وفي خدمتك المذياع، وفي نصرتك


* نشرت في العدد ٦٤ من جريدة «البصائر»، ٢٤ جانفي يشة ١٩٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>