للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل الدين عن الحكومة (٦)]

ونعود إلى فصل الحكومة عن الدين *

ــ

- ١ -

... ولكننا نغيّر العنوان في هذه المرة، ونقول: فصل الحكومة عن الدين قلبًا في الوضع لا في الموضوع، وتفاؤلًا للحالة بعدم الاستبقاء، كما يُتفاءل بقلب الرداء في الاستسقاء، وأن بين التركيبين الإضافيين لفرقًا دقيقًا في لغتنا العربية، تخيله الفقهاء في بحث ورود النجاسة على الماء، وورود الماء على النجاسة، وحققه البيانيون في بحث: سلب العموم، وعموم السلب، فدين الإسلام- في منزلته من النفوس، وفي منزله من المعابد، وفي مظهره من الأشخاص والمعاني- ثابت أصيل، لم يردْ على شيء حتى يُفصل عنه، وإنما وردت عليه هذه الحكومة ورود الغاصب الذي يحتل بالقوة لا بالحق، أو ورود الواغل الذي لا يحترم نفسه، فكأنه يقول للناس: لا تحترموني، أو ورود الدخيل الذي يندس ويتدسس، وأحد سلاحيه الحيلة منه، وثانيهما الغفلة عنه، فإذا انكشفت الحيلة، وانقشعت الغفلة- أخرج مذمومًا، وَعُتِلَ ملومًا، أو ورود الجار الجنب الذي يجاورك على الكراهة لا على الكرامة، فيجور ولا يجير، تلين معه إدلالًا، فيشتدّ معك إذلالًا، وتتسمح معه في الظواهر، فيتوقح بمدّ اليد إلى السرائر، وترخي له المقادة في علاقته بك، فيجاوزها إلى علاقتك بالله.

...

نقول نحن- بلغة الحق والواقع-: إن الجزائر عربية مسلمة، فيشهد لنا التاريخ والدم، والأدب، والرُّفات، والأسماء والسمات، وجولان "الضاد" في اللهوات.

ويقول المتكلمون بلسان القوة والجبروت، المجانبون للمنطق والعقل، المتجانفون للإثم والحوب: إن الجزائر فرنسية، فتتهافتُ الحجج، وتعقم الأشكال، وتتبرأ المقدمات من نتائجها.

ويقول الأجنبي العاقل هازئًا بهم: ما لهذه الفئة تتناقض؟ وما لها تستجلب السخرية منها بهذا التناقض؟ تزعم أن الجزائر فرنسية، فيسخر منها العقلاء، ثم لا تنفذ فيها أصل الأصول


* نشرت في العدد ١٠٤ من جريدة «البصائر»، ٢٣ جانفي ١٩٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>