للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في القوانين الفرنسية، وهو فصل الدين عن الحكومة؟ مع أنه من أساس الدستور الفرنسي، فتهدم دعواها بعملها، ويسخر منها العقلاء والمجانين.

أما القانون الدولي فهو- في هذا الباب- شاهد زور لا تقبل شهادته، لأنه- دائمًا- يشهد للقوة على الضعف، وللباطل على الحق.

...

وتحلف هذه الحكومة بالله إن أرادت إلا الحسنى بدين الإسلام، وإن قصدت بوضع اليد عليه إلا المحافظة على معابده من الضياع، وعلى شعائره خشية الترك والنسيان، وتستشهد على ذلك بأتباعها وصنائعها، فيشهدون؛ ولو كانت صادقة في هذه الدعوى، بارة في هذا القسم، وكانت المحافظة على الأديان بهذه الطريقة من طبيعتها- لكان الدينُ المسيحيّ أولى برعايتها، وأحق باهتمامها ومحافظتها، لأن رجال الحكم فيها كلهم مسيحيون، فهم أحرص الناس على حفظ دينهم (بهذه الطريقة)، وهي أحرص الناس على مسايرة عواطفهم، والأخذ بخواطرهم.

وهذه الحكومة لائكية في الزعم والمظهر، وإن كانت مسيحية في الحقيقة والجوهر، وعلى أي الحالتين كانت فلا يُصدقها أحد في دعوى المحافظة على الإسلام، لأنها إن كانت "لائكية"، فاللائكية لا هم لها بل لا معنى لها إلا محو الأديان، لأنها خطر على سلطتها الزمنية في زعمها، وإن كانت مسيحية فالمسيحية همها محو الإسلام على الخصوص، فأين تقع دعوى المحافظة عليه؟ ..

وتعالوا نسلم جدلًا أنها صادقة في دعواها، ومخلصة في نيتها، فبماذا تفسر المحافظة على الإسلام؟ أبابتلاع أوقافه، وأكلها أكلًا لمًّا؟ والأوقاف هي الأساس المادي للدين؛ أم بتحويلها للمساجد الكبيرة كنائس؟ أم بحسن اختيارها لرجال الدين؟ أم بأعمالها (المشكورة) في حرية الحج؟ أم بتدخلاتها المعروفة في الصوم والإفطار والأعياد؟ أم بتنشيطها على الزرد و (أعراس الشيطان)؟

إن مائة وعشرين سنة تشهد بشهورها وأعوامها، ولياليها وأيامها، وساعاتها ودقائقها بأن هذه الحكومة، على اختلاف رجالها ونزعاتها، لم تعمل عملًا إيجابيًّا يسمى- ولو مجازًا- محافظة على الإسلام، بل ما عملت إلا على إضعافه ومحوه.

إن أول شرط لتحقيق اسم المحافظة هو التعليم الديني، وهي تُحاربه وتشتد وتنشط في التضييق عليه، وإن آخر شرط لتحقيق تلك المحافظة هو إنشاء مدرسة أو مدارس لتخريج الأئمة والخطباء والوعاظ والمؤذنين، كما يتخرج رهبان المسيحية من مدارس اللاهوت وكلياته، أو كما يتخرج رجال الدين الإسلامي في الأقطار الإسلامية من معاهد العلوم الدينية،

<<  <  ج: ص:  >  >>