للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثناء كعرف الطيب ... *

"أثارة من أعمال رابح الفرقاني"

ــ

في الشعراء مسلم، وفي المحدّثين مسلم، ولا أدري أي باعث من البواعث التي تعتلج في النفس، أذكرني الساعة ببيت من ديوان مسلم بن الوليد، ولم يذكرني بحديث من صحيح مسلم بن الحجّاج.

إن ألوان النفس لغريبة، وان سلطان الخواطر عليها لنافذ، وإن تأثّر النفس الشاعرة بالشعر لأدنى إلى طبيعتها، وأسرع نفاذًا إلى سرائرها، أو لا ... فما الذي طاف بنفس حزينة مطمئنة إلى الايمان بالقدر، مرتقية من الإيمان به إلى الرضى به، فيطير بها من حديث: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"، مثلًا، ويقع بها على قول الشاعر: "ثناءٌ كعرف الطيب يهدى لأهله" ثم يقف بها عند هذا المصراع لا يتعداه، ولا يسمح لها أن تتعدّاه، مع حفظها له ولما قبله، وإيداعها إياه في الحافظة التي لا تضيع ولا تخون.

النفس نفسي ... إن زكيتها فما أنا عليها بالمتهم، وان دسيتها فما غيري عنها بالمسؤول، وإن ذكرتها بما فيها فما ضررت الناس ولا نفعتهم، وأنا لا أتهم نفسي بقسوة، ولا أزن طبعي بجفاء، ولا أدفعها عن رقّة وحنان ورحمة، وأشهد، لقد خلقت رقيق الإحساس، سليم دواعي الصدر، سريع الاستجابة إلى التسامح والإغضاء، رحيمًا بالبائسين، شفيقًا عليهم، مسعدًا لهم بما أملك من لسان ثرّ، وجاه نزر، ولا أذكر المال، ولا- والله- ما تأثّرتْ نفسي في حياتي الحافلة بالأحداث تأثّرين متباينين، لمؤثرين متقابلين، مثل ما تأثرتْ في هذه الأيام: تأثّر الحزن المكتوم لحادثة فاس (١) التي ذهبت بطائفة من شبابنا،


* نُشرت في العدد ١٠٩ من جريدة «البصائر»، ٢٧ فيفري سنة ١٩٥٠.
١) حادث مريع: سقطت دار يسكن فيها طلبتنا الذي يدرسون العلم بمدينة فاس فماتوا ومات معهم فاضل جزائري نائب عنا في تفقّد أحوالهم المعاشية.

<<  <  ج: ص:  >  >>