للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من مشاكلنا الإجتماعية (٣)]

أعراس الشيطان *

ــ

كنّا نفهم أن الشيطان يطوّف ما يطوّف ثم يأوي إلى قلوب أوليائه، لينفث فيها الشر، ويزيّن لها معصية الله، ويحرّكها إلى الفساد والمنكر، ويذكرها بسننه المنسية لتتوب إليه من إهمالها وإضاعتها؛ وما كنّا نعلم أن للشيطان مراجَ خاصة لا يبرحها في فصلين من السنة، ومعظمها في "العمالة الوهرانية"، وما ذلك لطيب في هوائها، أو عذوبة في مائها، أو اعتدال في جوّها، فالشيطان غني عن هذا كله، ولا يعبأ بهذا كله، وإنما ذلك للذة يجدها الشيطان في هواها ... وسهولة انقياد يجدها في أوليائه بها، وقابلية للتسويل والتزّين قلّما يجدها في غيرهم من رعاياه، وصدق الله العظيم، فإن الشياطين لا تنزَّلُ إلا على كل أفّاك أثيم.

والشيطان حقيقة روحية، لا تدرك بالحواس، ولا تُعرف بالحدود، ولا تُقاس بالموازين البشرية؛ وإنما نعرفه بآثاره في أوليائه، من القابلية للشر والفساد، والاستجابة للمنكر والباطل، والتهوّر في الفسوق والعصيان، والمسارعة إلى المساخط، والعكوف على الضلال، وسرعة التلقّي لوحي الشيطان وتلبيسه، والمحادة لله ورسوله فيما أمرا به أو نهيا عنه.

ويجتمع في مجموع صفاته أنه درب مفتن متمرّس بسلائل آدم، خالي الذرع من الهم إلا بهم، من يوم قال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، فهو يتفنّن في تزيين الفواحش لهم، ويعرضها عليهم مزركشة ذات تهاويل، ويضع الأسماء على غير مسمّياتها، ليغرّ بالزركشة ويغري بالاسم، فيضع للأغرار من أتباعه اسم الدين على ما ينقض الدين ويهدمه، واسم الخير على ما يمحو الخير ويعدمه، ويوحي إلى أوليائه بالفواحش مغيّرة العناوين، فيأتونها مبتدرين، ويجترحونها مخلصين، كما يأتي المؤمن القانت فرضَ ربّه، ويستقبل أمره.


* نشرت في العدد ٩٥ من جريدة «البصائر»، ١٤ نوفمبر سنة ١٩٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>