للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبليس يأمر بالمعروف! ... *

ليس في أبواب السُّخرية بالإسلام، أسمجُ من هذه الفصول السخيفة التي تقوم بتمثيلها السياسة الفرنسية في شمال أفريقيا، وإن لها في الجوانب الدنيوية لمنادح، فما بالها

تحنُّ إلى التحرّش بالدين، هذا النوع البارد من الحنين؟ لم تتورّع أمس عن نصب موظّف مسيحي رئيسًا لجمعية دينية إسلامية بالجزائر وقسنطينة؛ ولم تتوزع اليوم عن نصب التهامي الجلاوي محاميًا عن الدين، ومشفقًا عليه، ومنتصرًا له؛ وإنّ بين الحادثتين لمسافةً مملوءة بالأحداث والتجارب التي تحمل المذنب على التوبة والإقلاع، ولكن القائمين على هذه السياسة لا يتوبون ولا هم يذَّكرون، وإن بين القطرين دينًا جامعًا، وأرحامًا متشابكة، فما جُرِّبَ هنا وخاب، محكوم عليه بالخيبة هناك، ولا يُغني عنه أن يتقدّم هنا بقبَّعة، وهناك بعمامة.

...

إن ظروف الحادثة، والجوّ العالمي المتحكّم في أعصاب السياسيين، والأحداث التي سبقتها في المحيط المغربي الخاص، كل أولئك تدلّ على أنها كانت مدبَّرة لأوانها، وأنها رواية من فصل واحد، اختير لتمثيلها رجل واحد؛ ولم يُسدَل الستار، ليبقى المجال واسعًا للنكرات المسرحية التي تظهر في الملعب بعد ذلك، فالوقت محدَّد، والأسباب محضَّرة، والمناسبة منتظرة، والممثِّل تام الحفظ والتلقين.

وكل هذا ليس مما يعنينا شأنُه؛ لأنه شيء مألوف ليس بجديد في السياسة الاستعمارية، ولا غريب عنها؛ ولكن الذي أزعجنا وأثار اهتمامنا لجدّته وغرابته، هو عرض الدين في


* نشرت في العدد ١٤٤ من جريدة «البصائر»، ٢٦ فيفري سنة ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>