الرواية، وهضيمته، والانتصار له ... فهذه القطعة من الرواية هي التي لمسَتْ مواقع الإحساس منا، فقلنا: أصحيح أن الإسلام بالمغرب في خطر؟ أصحيح أن هذا الرجل هو الذي يقوم بنصره، وقد كنا نعلم- ونحن أطبّاء هذا المرض- أن الإسلام في جميع مواطنه تحيط به أخطار لا خطر واحد، وأنّ بعض أخطاره هذا الرجل وأمثاله ... وأن أكبر الأخطار وأعظمها ما التجأ إليه هذا الرجل من أنواع الحماية؛ فهل جدَّ في الاكتشافات الطبيّة أن يكون السرطان دواءً للسل؟ وهل جدّ في القوانين الاجتماعية أن يكون "حاميها حراميها"، كما يقول المثل الشرقي؟
...
طارت أخبار الحادثة، وردَّدتها الصحف والمذاييع، وقعقعت بها البُرد في الشرق والغرب، وقال كل قائل فيها رأيه: صوابًا أملاه الإنصاف ومحَّصه التحقيق، أو خطأ أملاه الغرض وزوّره التلفيق، وهوّنها بعض الناس غفلةً عما وراءها، وهوّلها بعضهم حذَرًا مما وراءها، أو استغلالًا لما وراءها، وسكتنا نحن حتى هدَرت الشقائق وقرَّت، لا استخفافًا بالحادثة، فلعلّنا من أكبر المتشائمين بعواقبها، المقدّرين لخطرها، المدركين لمراميها، ولكننا سكتنا ننتظر كلمة علماء الدين، فإن نطقوا كانت كلمتهم فصلاً في القضية، وإن سكتوا كان سكوتهم حجّةً على الدين، وحجةً ناهضة للمعتدين.
كنا ننتظر كلمتهم في هذه القضية التي نعدّها غمزًا لإبائهم، وامتحانًا لكرامتهم، وطعنًا في كفاءاتهم لحمل أمانة الدفاع عن الدين، لأنهم مسؤولون أمام التاريخ، أين كنتم إذا كان ما يدّعيه الحاج التهامي حقًّا؛ وأين أنتم إذا كان ما يدَّعيه باطلًا؟ وهم محجوجون في الحالتين.
ولنا مع هذه الطائفة حساب، ولنا عليها عتاب، فهم- بحكم الله- حرَّاس هذا الدين، والمؤتمنون على حرماته، وقد أوتوا سلطانًا إلهيًّا مبينًا ففرّطوا فيه، واستحقّوا إرثًا نبويًّا ثمينًا فأضاعوه، حتى خرج الأمر من أيديهم، وتعاوَرتْه أيدٍ سفيهة لا تحسن تصريفًا ولا قيادة، فوقعت الأمة فريسةً للمبتدعين في الدين، والمتسلطين في الدنيا، والمتبعين لأهوائهم في الدين والدنيا؛ وإذا نام الحارس، استيقظ اللص، طبيعة لا تتحوّل، وصبغة لا تحول، وهذا هو حال علماء الإسلام في الشرق والغرب، لم يقوموا بحق الله في عباده، فأصبحوا أضحوكةً بين عباده، وكساهم الله ثوب عزٍّ فنضَوْه فأذلّهم، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}.
ولو أنهم قاموا بواجباتهم في حماية الدين، وحافظوا على سلطانهم الديني الروحي لسدّوا المنافذ على عبَّاد المادّة، وقطعوا الطريق على المتطاولين بغير حق، ولو فعلوا لكانوا - أبدًا- مُرْصَدين لهذه البوادر الخبيثة التي تبدُر في كل حين من أصحاب الجاه الدنيوي،