للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

[مقدمة الطبعة الثالثة من "عيون البصائر"]

ــ

هذه صور من الإبداع الأدبي، وسمو البيان العربي- وقد نحتت كلماتها من لآلئ النثر الفني، ورسمت عباراتها بروائع الذوق الشعري- نقدمها لقراء العربية، ودارسي خطابها، عساهم يكتشفون من خلالها نسجًا فريدًا في منهج الخطاب العربي المعاصر، هو ما أصبح يعرف عند فلاسفة اللغة الغربيين- اليوم- "بسلطة النص".

إنها مدرسة، ذات "أسلوبية" قل مثيلها في منهجية خطابنا العربي المرسل. فهي تضرب بجذورها في أعماق التراث العربي القديم، في الوقت الذي تبسط فيه أغصانها المتعددة على فروع المعرفة الحديثة. وهي نسج فريد من الأدب. يجمع بين حكمة قُسِّ ابْنِ سَاعِدَةَ الأيَادي وفصاحة سَحْبَانَ، وَعَقْلانيَّة أبي عُثمان الجاحظ، وإشارات أبي حَيَّان التوحيدي، إلى جانب رشاقة أسلوب عبد الحميد الكاتب، وأناقة عبارة أحمد حَسَن الزيات، ورمزية مصطفى صادق الرَّافعي، غير أنها تزيد على ذلك كله، بخصوصيات أخرى هي أنها جزائرية العزيمة في التصدي للاستعمار، ومغاربية الالتزام في الدفاع عن الحرية، وعروبية الانتماء في التأصيل الحضاري، وإسلامية المنهج في علم التصحيح العقدي.

تلك هي مدرسة "عيون البصائر"- وقد كحل الله بنور الحق بصيرة كاتبها - فراعت بالحكمة العقلية في معناها، وطرزت بالعبارة البلاغية في مبناها، فجاءت معلمة معرفية جامعة مانعة. سيجد- فيها - فقهاء الألسنية، وفلاسفة التاريخ السياسي، وعلماء الاجتماع، والعارفون بالفقه وأصوله، الحق المنشود وقد فصَّلته، والمنهج المقدود، وقد برهنته، فيستنطقون بذلك الحوادث التاريخية التي وضعت لها مُقدماتها ويستجوبون أبطال التاريخ، بالموضوعية التي حددت خصائصها ومميزاتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>