للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاملة في العلم والسياسة والاقتصاد، وكانت هذه المحاضرات هي البذر الأول لهذه المبادئ في الجزائر، وتحريك الأفكار لفهم الحياة على حقيقتها، وقد استغرق هذا الأسلوب سبع سنوات، كان أولها بدءًا للصراع بين الجمعية وبين الحكومة. وقارن هذا الهجوم على الجمهور بالمحاضرات هجومًا آخر على الشبّان بدروس علمية منظّمة المواقيت والمواضيع، محذوفة اللغو والفضول؛ ومن أولئك الشبّان تكوّنت الطلائع الأولى لجيش النهضة العلمية، وكانت الطريقة التي بنت عليها جمعيتنا أصول هذه النهضة هي الجمع بين التربية والتعليم، لأن العلم الخالي من التربية ضرره أكثر من نفعه، وما أصيب المسلمون في عزّتهم إلا يوم فارقت التربية الصالحة العلم، وكم شقي أصحاب العلم المجرّد بالعلم وأشقوا أممهم، والسعادة غاية لا يسلك إليها طريق العلم وحده من غير أن تصاحبه التربية، وأن الجمع بين التربية والتعليم هو وظيفة النبوّة التي بيّنها الوحي في آية {وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ائكِتَابَ وَائحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.

فعلت تلك المحاضرات فعلها في الجمهور الجزائري، وآتت أكلها سائغًا هنيئًا وأصبحت غذاء لذلك الجمهور، ومادة من مواد تعليمه، وصلة بينه وبين الجمعية، وفي أصداء تلك المحاضرات أوصلت الجمعية نداءها إلى القلوب، وأصبحت تخاطب الضمائر لا الآذان، وفي إشراق تلك المحاضرات وصلت إلى الغاية التي ترمي إليها وهي توثيق التعاون بينها وبين الأمة على تعليم النشء وتكوين جيل صالح للحياة متّحد النزعات متجاوب الخواطر والمقاصد، يحرّر الوطن من الاستعمارين الروحي والمادي، ومحال أن تحرّر أمة أبدانها قبل أن تحرّر عقولها وأفكارها.

ثالثًا- تأسيسها للنوادي العلمية:

المقصد الأول لجمعية العلماء هو التربية والتعليم، وطبقات الأمة ثلاث متفاوتة الشعور والإدراك، ولكنها مشتركة في القابلية والاستعداد وهي: الشيوخ والشباب والأطفال، فرأت الجمعية أن تصرف عنايتها على الطبقات الثلاث في آن واحد كل طبقة على قدر استعدادها، ولكن أين تلتقي بهذه الطبقات؟ فإذا التقت بالشيوخ والكهول ورقاد المساجد في المساجد، والتقت بالأطفال في المدارس التي شيّدتها للالتقاء بهم فيها، فأين تلتقي بالشبّان الذين فاتتهم المدرسة والمسجد معًا؟ ولكن عزيمة الجمعية لا تقف في طريقها الصعاب، فأنشأت مشروع "النوادي" لتكون وسطًا طبيعيًا بين المساجد والمدارس، وتلتقي فيها بالشبّان الذين هم وسط طبيعي بين الشيوخ والأطفال.

أنشأت الجمعية في مدة قصيرة عشرات النوادي في المدن والقرى، وَدَعَت إليها الشبّان فاستجابوا وأقبلوا عليها لأنها أقرب إلى أمزجتهم ولأن فيها شيئًا من التسلية والمرح، ولأن

<<  <  ج: ص:  >  >>