المعهد الباديسي هو مفخرة الأمة الجزائرية، وهو غرة أعمال جمعية العلماء وأعظمها خطرًا، وأعلاها قدرًا وأكثرها نفعًا، فهو يؤوي سبعمائة تلميذ من أبناء الأمة، ويهيئهم لأن يصبحوا قادة لحركاتها، ومسيرين لنهضاتها في جميع الميادين الحيوية، ومنه تخرج البعثات العلمية والصناعية، ومن صفوفه يتخرج الوعاظ المرشدون والخطباء والكتاب والمعلمون.
هذا المعهد يعتمد في نفقاته الباهظة على الأمة وحدها، ولولاها لما سار خطوة واحدة في سبيله، ولما أدّى شيئًا من الواجبات التي تحملها، وقد قامت الأمة- إلى هذه الساعة- بالواجب المالي، على ما يسعه حالها وإمكانها.
وما زالت إدارة المعهد تعاني مشكلة كبرى، تعترضها في كل سنة، وهي مشكلة الأماكن: أماكن الدراسة، وأماكن السكنى، فبناية المعهد في حدّ ذاتها لا تتسع للدراسة فضلًا عن السكنى، ومع أن للمعهد ملحقين لتخفيف الضغط فإن أقسامه لا تكفي إلّا لسبعمائة تلميذ مع الضيق والرهق، وهذا هو أحد الأسباب في أن إدارة المعهد لا تقبل إلّا هذا العدد، وترفض في كل سنة مآت الطلبات، ولو لم تكن الأمة محرومة من مساجدها لكان لتلامذة المعهد فيها متسع للدراسة، لأن ذلك بعض ما تؤديه المساجد من الواجبات، ولأن ذلك بعض مقاصد محبسيها ومؤسسيها، ولكن هذه الحكومة الاستعمارية الظالمة المحاربة للإسلام مصرة على استخدام مساجدنا لإيواء الجواسيس الذين يخدمون الحكومة (كما شهد بذلك الأستاذ بيرك مدير الشؤون الأهلية سابقًا في مقال له منشور في مجلة "البحر المتوسط") لا لتخريج العلماء الذين ينفعون الأمة.
* "البصائر"، العدد ١٧٥، السنة الرابعة من السلسلة الثانية، ٢٦ نوفمبر ١٩٥١م.