للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى الزاهري *

كتبتَ - أيها الشيخ- كثيرًا من الباطل، وسنكتب قليلًا من الحق، ولكنّ قليلنا لا يقال له قليل، ولو كنتَ وحدك ... تكتب بقلمك، وتقول بلسانك، وتعبّر عن فكرك،

لأوليناك جانب الإهمال، وسكتنا عنك طول العمر كما سكتنا عنك في ماضيك القريب، وفي ماضيك البعيد احتقارًا لشأنك، واستهانة بما أهان الله منك، وربّما عذرناك في مجانبتك للصدق بأنك لا تعرفه، وإنما يؤاخذ الإنسان بترك ما عرف، وربّما أثنينا عليك بالوفاء للصاحب الذي صاحبك منذ عققت التمائم، وهو الكذب، وباستقامتك على الجبلة التي جُبلت عليها، وهي الشر، وبالموهبة التي خُصصت بها، وهي البراعة في قلب الحقائق، وربّما رحمناك من هذه النار التي تصلاها، وهي نار الحقد. ومعذرة ... فإن من الميسور أن نُطفئ النار ذات الوقود، وليس من الممكن أن نُطفئ الحقد من صدر الحقود. وهنيئًا لك هذا الذوق اللطيف في أخذك بأحد بيتي ابن الرومي في الحقد، وهي قوله:

وما الحقد إلا توأمُ الشكر في الفتى ... وبعضُ السجايا ينتمين إلى بعض

وتركُك للبيت الثاني وهو قوله:

فحيث تَرى حقدًا على ذي إساءة ... فثم تَرى شكرًا على أحسن القرض

فلم تقصر حقدك على من أساء إليك، ولم تشكُر من أقرضك القرض الحسن، واسترحت من حيث تعب الكرام.

وإذا فهمنا مذهب ابن الرومي كما فهمته، فكل هذه الخصال البارزة فيك فضائل، وآمنَّا وسلَّمنا وقلنا: سبحان المنعم الوهّاب.


* نشرت في العدد ٦١ من جريدة «البصائر»، ٢٧ ديسمبر سنة ١٩٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>