للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من هو المودودي؟ *

هو الأستاذ العلّامة أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان؛ أصفه وصف العارف الذي قرأ وشاهد، فهو رجل لم ترَ عيناي كثيرًا من مثله، بل لم أرَ مثله في خصائص امتاز بها عن علماء الإسلام في هذا العصر، منها الصلابة في الحق، والصبر على البلاء في سبيله، والعزُوف عن مجاراة الحاكمين فضلًا عن تملّقهم، وهو أفقه من رأيته أو سمعت به في باكستان والهند في حقائق الإسلام تشريعًا وتاريخًا، واسع الاطّلاع، دقيق الفهم، بارع الذهن، نيّر الفكر، كبير العقل، مشرق الروح على تجهّم في ظاهره، سديد التصرّف في المقارنة والموازنة والاستنباط، مستقلٌّ في الاستدلال إلى حد، يمضي من الشريعة إلى مقاصدها العامة، دون احتفال بالجزئيات إلا بمقدار ما يدخل من هذه إلى تلك، عميق الغوص في استخراج النكت، متين العقيدة، تظهر آثارها على أعماله ومواقفه قوة وثباتًا، كما تظهر آثار الغذاء الصالح على البدن فراهةً ونعمة، فلسفي النزعة العلمية لا العقلية، يذوده افتتانه بالنص والواقع عن أن يكون فيلسوفًا عقليًا، ولولا ذلك لكانه، فهو يؤمن بالنص، ويؤمن بعمل العقل في النص، ثم لا يزيد إلا بمقدار، جمهوري العشرة ولكنه خصوصي الزعامة، يرى أن لها- لا للزعيم- حقوقًا تحفظ النظام، وتوزّع الأعمال على الكفاءات، وتقف بالمتطفلين عند حد، فهمت هذا من مجموع أحواله ومن ملابستي لبعض أنصاره، فصورته بهذه العبارات، وأنا أرى أن الفرق بين الزعامة والزعيم شيء دقيق، ودقته هي التي غرّت الزعماء بأنفسهم، وغرّت الأتباع بهم.

وهو هيوبة للتحدّث بالعربية، مع دقة فهمه للقرآن والحديث وكتب الدين، واقتداره على تطبيقها، ويرجع سبب ضعفه في الكلام بالعربية إلى قلة استعماله لها في الحديث والكتابة، فهو مع كثرة مؤلفاته التي تبلغ العشرات لم يكتب كتابًا واحدًا بالعربية وكل


* نُشرت في العدد ٢٣٢ من جريدة «البصائر»، ٥ يونيو سنة ١٩٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>