للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مؤلفاته بالأوردية والإنكليزية، وكلها في المواضيع الإسلامية الخطيرة، التي تقتضيها النهضة والتجديد، ويكثر الخوض فيها في هذا العصر، ويتناولها الغربيون بالنقد والتشويه، وللأستاذ مشاركة قوية في معارف العصر واطّلاع على حضارته، وهو يزنها بالميزان القسط، فلا إنكار ولا اندفاع، بل إنه يقف منها موقف الحذر والانتباه، وقد ترجم أحد أعضاء الجماعة طائفةً من كتبه إلى العربية فمكّن بذلك أبناء العرب من الاطّلاع على أفكاره، وهذا العضو هو صديقنا الوفي الشيخ مسعود عالم الندوي، وقد أهدى لي جميعها منذ سنوات وأنا في الجزائر، فلمحتُ فكرًا شفّافًا، ورأيًا حكيمًا، وفكرًا عميقًا، وتساوقًا بين الألفاظ ومعانيها، لا ينم على أن هناك انتقالًا من لغة إلى لغة، وتبيّنت السرّ في ذلك، وهو أن الموضوعات إسلامية، واللغتان إسلاميتان، والمؤلف والمترجم سليلا فكرة، فعملت الروح عملها العجيب في ذلك، وصديقنا مسعود- لطف الله به- ثاني اثنين في القارة الهندية يحسنان الكتابة بالعربية كأبنائها، والآخر هو الأستاذ أبو الحسن الندوي.

والعلّامة المودودي وثيق الصلة بجمعية العلماء الجزائريين، من طريق جريدة «البصائر»، متتبع لحركتها، معجب بها وبأعمالها، قويّ الشعور بقرب المسافة بين مبادئها ومبادئه. وهو يحمل بين جنبيه قلبًا عامرًا بالاهتمام بأحوال المسلمين، والأسى لحاضرهم، والإعجاب بماضيهم، والتنويه بالنظام الحكومي في الإسلام، يراه أعدلَ نظام إنساني، وأضبط نظام للنزوات البشرية، وأحفظ نظام للمصالح المتشابكة، ومن هنا نشأت فكرته في الحكومة الإسلامية، وقد سرّ كثيرًا بالمعاني التي تنطوي عليها رحلتي، لأن تقارب المسلمين بالتعارف يُفضي بهم إلى التعاون على إصلاح شؤونهم، وهو ينعى عليّ شيئًا واحدًا وهو أنني لم أشتغل بتأليف كتب على أحوال المسلمين على النمط الذي سمعه من كلامي، فأجبته بما لم يقتنع به لأنه يعتقد أن هذه الأحاديث العادية التي سمعها مني كتب لا ينقصها إلا التدوين، ورأيه في التأليف أن تكون الكتب صغيرة الحجم حتى تسهل قراءتها وتصريفها، وهذا هو المسلك الذي سلكه في كتبه فكلها كراريس مستقلّة بموضوعات.

...

لقيي جماعة من أصحابه لأوّل نزولي بكراتشي، واتصلوا بي اتصالَ الأخوة والمشرب، فوجدتهم يعرفون عن جمعية العلماء ما يمكن أن يستفاد من جريدة «البصائر»، وسمع الأستاذ المودودي بوصولي وهو بمقامه من مدينة لاهور عاصمة البنجاب، فانتظر زيارتي لها فلما عزمت على الرحلة إلى الداخل وكان نظام الرحلة يقتضي أن أسافر إلى كشمير أولًا وأن لا أنزل في لاهور، كتبت إليه أن يلقاني بمحطة لاهور، حرصًا مني على التعارف الشخصي،

<<  <  ج: ص:  >  >>