للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدرسة أولاد سيدي إبراهيم *

العزيمة أخت العقيدة، وهما كجناحي الطائر للرجال وللأعمال، والعقيدة بلا عزيمة باطلة، والعزيمة بلا عقيدة عاطلة، وما نهض الرجال العظام بالعظائم إلّا بعد أن صفت عقائدهم من شوائب الشك والتردد، وصحت عزائمهم على العمل النافع.

هناك في الحدود الفاصلة بين مقاطعتي الجزائر وقسنطينة وعلى ضفتي طريق الحديد الواصلة بينهما، وعلى مقربة من مضيق (أبواب الحديد) ذات الذكريات الأليمة في احتلال الجزائر، هناك أرض جدباء إلا من شجيرات التين والزيتون، وجبال جرداء إلّا من قزع من الصنوبر كقزع السحاب هنا وهناك، وفي تلك الأرض المتطامنة الظمأى إلى الماء والعلم تقع قرية (أولاد سيدي إبراهيم) مكتنفة من الغرب بجبال وانوغة ومن الجنوب بجبال المنصورة، ومن الشرق بآكام مزيتة ذات المحل والنحل، ومن الشمال وبعض الشرق ببني منصور وبني عباس، تنفحها شماريخ (جرجرة) العاتية بالنسيم الرطب في القيظ، وتلفحها بقر الثلج في الشتاء.

ومن تلك القرية نفر شاب قبل عقدين من السنين إلى قسنطينة يتلقى العلم على عبد الحميد بن باديس، ويقتبس من دينه وخلقه وأدبه ويتخرج على يديه في مناهج خدمة الأمة، ذلك الفتى هو الشيخ سعيد البابي، وتلك هي نيته فيما هاجر إليه، فبماذا رجع إلى قومه؟

رجع- كما رجع إخوانه من تلامذة الإمام- داعيًّا قومه إلى هدي الكتاب والسنة والأخذ بأسباب الحياة العزيزة، فعرفه من عرف وأنكره من أنكر، ولكن العقيدة الصحيحة إذا ظاهرتها العزيمة الصحيحة أتتا بما يشبه الخوارق، فقد رأينا في الأيام الأخيرة أثرًا من آثار العقيدة والعزيمة أكبرناه، وهو أن تلك الفئة القليلة التي تأثرت بمبادىء جمعية العلماء من


* "البصائر"، العدد ١١٣، السنة الثالثة من السلسلة الثانية، ١٥ أفريل ١٩٣٠م.

<<  <  ج: ص:  >  >>