للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من مشاكلنا الاجتماعية (٢)]

الطلاق *

ــ

الطلاق حلّ عقدة، وبتّ حبال، وتمزيق شمل، وزيال خليط، وانفضاض سامر، فيه كلّ ما في هذه المركبات الإضافية التي استعملها شعراء العرب، وجرت في آدابهم العاطفية مجرى الأمثال، من التياع وحرارة، وحسرة ومرارة، ويزيد عليها جميعًا بمعنى آخر، وهو ما يصحبه من الحقد والبغض والتألّم والتظلّم.

لهذه الملابسات التي هي من مقتضيات الفطر السليمة، والطباع الرقيقة، شرعه الإسلام مقيدًا بقيود فطرية حكيمة، وقيود شرعية قويمة، اعتمد في تنفيذها بعد فهم المراد منها على إيمان المؤمن، وشرع له من المخففات ما يهون وقعه كالتمتيع ومدّ الأمل بالمراجعة، وتوسيع العصمة إلى الثلاث، حتى تمكن الفيئة إلى العشرة؛ وما وصْفه في القرآن بالسراح الجميل والتسريح بالإحسان، إلا تلطيف إلهي في أسلوب معجز يبعث في النفوس المؤمنة نفحات تلطف وما تزال تلطف من غلظ الإحساس وعرام الحيوانية حتى يصير الطلاق "عملية بلا ألم".

والزواج عقد بين قلبين، ووصل بين نفسين، ومزج بين روحين- وفي الأخير- تقريب بين جسمين، فإذا تراخت عراه بين القلبين ضاعت حكمة الله في السكون والرحمة والعطف، وهنا يدخل العقل مصلحًا بلغة المصلحة والتعاون والإحسان، وشفاعة النسل (إن كان)، فإذا زاغت الفطرة من أحد الزوجين عن محورها، أو طغت الغرائز الحيوانية على الفضائل الإنسانية في أحدهما أو كليهما، ولم يقم العقل وحده أو مع الحكمين، بإصلاح ذات البين، فالله أرحم من أن يكلف عباده تحمّل هذا النوع من العذاب النفسي، وهو الجمع بين قلبين لم يأتلفا، وطبعين لم يتّحدا، وروحين لم يتعارفا؛ لذلك شرع لهما الطلاق


* نشرت في العدد ٧ من جريدة «البصائر»، ١٩ سبتمبر سنة ١٩٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>