للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فلسطين (٢)]

وصف قرار تقسيمها *

ــ

تصدّع ليلُ فلسطين الداجي عن فجر كاذب العيان، وتمخّض مورد الطامعين فى إنصاف أوربا القديمة وأوربا الجديدة عن آل لماع يرفع الشخوص ويضعها في عين الرائي لا في لَمْسَ اللامس، وباء الظانُّون ظنَّ الخير بالضميرين الأوربي والأمريكي بما يستحقّونه من خيبة تعقُبها حسرة، تعقُبها ندامة؛ وتكشف ذلك اللبس الذي دام عشرات السنين عن الحقيقة البيضاء، وهي أن حق الشرق لا وليَّ له في الغرب ولا نصير، وجاء بها هذا المجلس الذي يُسمّونه- زوراً- مجلسَ الأمم المتحدة شنعاء لا تُوارَى من أحكام القاسطين، وأحلام الطامعين.

تراءى الحقُّ والباطل في ذلك المجلس، لا العربُ واليهود، وجاء أهل الحق يحملون المنطق، ويخطبون المعدلة، ويخاطبون الضمير والعقل، ويحتكمون إلى الشعور والإحساس وما منهم إلا من هو في الخصام مبين؛ وجاء أهل الباطل يحملون الإبهام المضلِّل، والكيد المبيت، والمكر الخفي، والدعاوى المقطوعة من أدلّتها، ومع كل أولئك- الرنين الساحر يستهوُون به الأفئدة الهواء والضمائر الخربة؛ وأنصَتَ التاريخ ليسجّل الشهادة، واستشرف الكون لينظر هل تُخرَق للأقوياء عادة، ونُشِر الأصل والدعوى. وتعارضت البيِّنة والشبهة، وأفصح الحق واتّضَح، ولجلج الباطل وافتضح، ولكنّ تلك الدول المتحدة على الباطل ألجمها الحق بحججه، وأجرَّتها الحقيقية بوضوحها، فحكموا الانتخاب ... وليت شعري أي موضع للانتخاب هنا؟ إن تحكيم الانتخاب هنا كتحكيم القُرعة بين أصحاب الحظوظ المتفاوتة، كصاحب العشر مع صاحب النصف، كلاهما باطل، لا يسيغه عقل ولا شرع ... وأي فرق بين ما نعيبه من تحكيم الجاهلية للأزلام الصمّاء وحصى التصافُن، وبين تحكيم أصوات من أموات وويلات، سمّوهم ممثِّلي دويلات؟


* نشرت في العدد ٢١ من جريدة «البصائر»، ٢ فيفري سنة ١٩٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>