للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سجع الكهّان *

- ١ -

هذه فصول، إن لا تكنْ فيها روح الكاهن ففيها من الكاهن سجْعُه، وإن لا يَجُلْ في جوانبها صَدَى الكهانة ففيها من ذلك الصدى رَجْعه؛ فيها الزمزمة المفصحة، والتعمية المبصرة، وفيها التقريع والتبكيت، وفيها السخرية والتنكيت، وفيها الإشارة اللّامحة، وفيها اللفظة الجامحة، وفيها العسل للأبرار، وما أقلَّهم، وفيها اللسع للفجار، وما أكثرهم، فلعلّها تهزُّ من أبناء العروبة جامدًا، أو تؤزّ منهم خامدًا، فنجني شيئًا من ثمرة النية، ونغيِّر أواخر هذه الأسماء المبنيّة.

وفي هذه الفصول من لبوس الألفاظ ما يَعُدُّه المتخلفون من كتّابنا غريبًا، وما غرابته في أذواقهم، إلا كغربة الأعلاق النفيسة في أسواقهم؛ ولو حفِظوه ووَعَوْا معانيه وأقروه في مواضعه من كلامهم، وأحسَنوا إجراءه في ألسنتهم وأقلامهم، لأحيَوْه فحيوا به، ولأصبح مأنوسًا لا غريبًا، وأصبحوا به من لغتهم قريبًا؛ ولكن أعياهم الإحسان، فعفّروا في وجوه الحسان، وعجزوا في جني الثمرة عن الهصر، فرضوا من اللغة بما يباع في "سوق العصر" (١).

منشئ الفصول

...

"نحن الكهّان، أفراس رهان. منّا السابق المصلي، ومنّا الآبق المولّي. كنّا إرهاصًا للنبوّة، ودليلًا للضعف إلى القوة، فلما جاء الحق، وحيص (٢) الشق، اندحرنا وانجحرنا،


* نشرت في العدد ٦٩ من جريدة «البصائر»، ٢٨ فيفري سنة ١٩٤٩.
٢) سوق العصر عند العامة هو السوق الذي تُباع فيه الأشياء القديمة المستعملة (الخردة والأسقاط).
٢) حيص: خيط، ومنه المثل: أن دواء الشق أن يحاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>