للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما عادت الكسرويّة إلى شرائعها، والقيصرّية إلى ذرائعها، آن أن نعود إلى الإنذار، ونصرخ في وجوههم: حذار حذار، إن بطش الله لشديد، وإن الحرير قد يفلّ الحديد".

كاهن قديم

...

"الكاهن، لا يُداري ولا يداهن؛ كلامه رمز، ليس فيه لمز. عاذ غيره بالتصريح فعاد بالتجريح، ولاذ هو بالكهانة، فأمِن المهانة. كان ... فكان الزاجر الرادع، للفاجر الخادع، وكان ... فكان نذير السارق والمارق، والخاتل والقاتل، والمحتال والمغتال، والقاذف والحاذف، والمبتهر والمبتئر (٣). تجف قلوبهم إذا نوفروا إليه، وتجفّ لهواتهم إذا وقفوا بين يديه، لاستتارهم بالعيب، واستهتارهم بالغيب، فلما جاء "محمد" بالحق فاء الناس إلى ضمائرهم، وحكموا هديَه في سرائرهم، وردُّوا الغيب إلى عالمه فاستراحوا، ولكنهم اليوم عادوا إلى الجاهليَّة، وتقلّبوا في أرحام حنظليّة وأصلاب باهليَّة، فماذا نصنع؟ أنتقدّم منذرين، أم نتأخّر معتذرين؟ بل نُحيي الاسم، ونُميت- كما أمات الإسلام- الرسم".

كاهن عصري

...

"كلام الكاهن ليس بالواهي ولا الواهن، كأنما وخزه الماء، أو لمستْه السماء، ففيه من الماء إيراق، وفيه من السماء إشراق. شارف مكامن الغيوب ولَمَّا ... وورد معين العربية فورد جمًّا. عمر صحائف من ديوان العرب، وكان من شعرهم كالكرب من القَرَب (٤)، بل كان هو الشعر في أول أدواره، وكان قارعَ باب البيان وفارعَ أسواره ... اصطنع الكهّان السجع ليروقوا السامع ويروعُوه، وليسهل على الناس فيحفظوه وَيعُوه. ولهم في حوْك الكلام مقامات حسان، أخذ منها ابنُ دريد والهمذاني تلك المقامات الحسان. سبقوا في السجع فما سبقتهم إلا الحمائم، وأخذوه طبعًا فما لحقهم فيه صنعًا إلا "بعض ذوي العمائم". وما عدا هذا من الأسجاع، فهي غُصص تتبَعُها أوجاع".

كاهن أديب

...


٣) الابتهار ادّعاء الفاجر الفجور كاذبًا، والابتئار ادعاؤه صادقًا.
٤) حبل يشد في عراقي القربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>