للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحكمة الواضحة في التسري تتألف من عدة عناصر، فهو تأليف بين العنصرين المتفاوتين وهم السادة والعبيد بعلاقة نفسية جسمية، وتقريب بينهما، وتنقيص من النفور الطبيعي بملابسة طبيعية، ولا يخفى ما في هذا من طي المسافة بين السيادة والعبودية، ومن الحكم الظاهرة فيه أنه خطوة واسعة إلى التحرير ووسيلة قوية من وسائله، فإن الأمة إذا ولدت من سيّدها ترتفع درجة عن العبودية حتى في الاسم فتسمّى أم ولد، وترتفع إذًا بطريق شرعية إلى التحرير، فهي من الذرائع المحققة لحكمة الإسلام في العتق ولمقصده في التشوّف للتحرير، وكل هذا زيادة على ما تحصل عليه أم الولد من سيّدها من الاستيلاء على قلبه والحظوة عنده، ولقد وصل كثير من أمهات الأولاد من طريق هذه الحظوة إلى درجات رفيعة لم تبلغها الحرائر. وأما المبالغة في الإكثار منهن إلى درجة مستهجنة بناء على عدم تحديد الشرع لعدد خاص- فهذا من سوء تصرّف المسلمين- لا من حسن تصريف الإسلام.

[الاسترقاق عند المسلمين اليوم]

ترك المسلمون منذ قرون صفة الجهاد في سبيل نشر دعوتهم الدينية، فلم يبق سبب للاسترقاق الحقيقي، والموجود عند بعضهم اليوم من الرقيق إنما هو متوارث أو مجلوب من الشعوب الوثنية في افريقيا، أو مجلب عليه بالقوة من غير الوثنيين، وهذان النوعان الأخيران قد يدخلهما التزوير من الجانبين، وحكم إباحة الاسترقاق في الإسلام قائم لا تنسخه هذه القوانين الوضعية، وغلبة الظن مُحكمة في الإسلام ولكن الأحوط في مسألة الاسترقاق هو اليقين، فإذا غلب الظن في صحة الرق رجعنا إلى القاعدة العامّة، والمقصد الأمين وهو تشوّف الشارع للحرية، وغلبنا جانبها على جانب الاسترقاق، فإذا كان المالك من المتأدبين بأدب الإسلام ومنها إكرام الانسانية في شخص الرقيق، والإحسان إليه، ومعاملته على أساس الأخوة لا العبودية، فهنا يسوغ له الإقدام على ملك الرقيق المشبوه بغلبة الظن ما دام الملك ينقله من حالة سيئة إلى حالة حسنة، وعلى الجملة فالقضية في هذا الزمان من المتشابه الذي تعتوره أحكام الحظر والإباحة، والمبالغة في الاحتراز أقرب إلى رضى الله وإلى قصد الشريعة.

ونقول إنه إذا كان الاسترقاق مباحًا بشروطه فإن باب العتق مفتوح على مصراعيه، فإذا ملك بنيّة العتق فإن عمله أعرق في الإنسانية وأدنى إلى مراضي الله.

إذا تقرر في الذهن ما أصلناه في هذه الفصول القصيرة لم يبقَ معنى لهذه الضجة التي يتردد صداها حينًا بعد حين في ما وراء البحار من أوربا وأمريكا في التشنيع على الإسلام بأنه يبيح الاسترقاق، وعلى المسلمين وحكوماتهم بأنهم يزاولون شراء الرقيق ويبيحون الاتّجار

<<  <  ج: ص:  >  >>