للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعمالها، ومهما صوّرت من حال الأمّة الجزائرية وتطلعها إلى الشرق العربي ليعرف حقيقتها ثم يأخذ بيدها- مهما فعلت من ذلك- فإن تعريفي لم يزل قاصرًا لا يوصل إلى إخواننا في الشرق الصورة الحقيقية لهذه الجمعية ولهذا الوطن. وخشيت أن يتصوّر إخواننا جمعية العلماء الجزائريين على قياس الجمعيات والأحزاب المتشابهة في المشرق والمغرب ... أشخاص ودوران حول أشخاص، وشخصيات وسعي وراء الشخصيات، وهدم من دون بناء، وأقوال مردّدة، ومقدمات من دون نتائج، ودعاوٍ لا دليل عليها، وغايات تطلب من غير إعداد لوسائلها.

فدفعًا لهذا التقصير عن نفسي، ولهذا الوهم الذي ربّما ساور بعض الأذهان فلبس عليها شيئًا كله حق بشيء بعضه باطل، ثنيت (بهذه المذكرة الإيضاحية)، أصوّر فيها جمعية العلماء الجزائريين تفصيلًا، والجزائر وأحوالها إجمالًا، حتى أؤدّي الأمانة كاملة، واستبرئ لله وللحقيقة والتاريخ، وأنا أحرص الناس على أن يبنى تاريخ الجزائر الحديث بأحجاره الأصيلة، ويؤلف من مواده الصميمة لا الدخيلة، وأنا وافد إخوان إلى إخوانهم، فمن حق الفريقين عليّ أن أعرف بعضهم إلى بعضهم حتى يكون غائبهم كالشاهد.

____

[الشعب الجزائري]

____

الشعب الجزائري فرع من فروع الدوحة العربية الموروثة، لم ينسَ أبوّته، ولم يتنكّر لنسبه على وفرة قواطع الأرحام، ولم يبت صلته بسلائله الأولى المتحدّرة من قحطان وعدنان، ولم تنحرف الضاد عن مجراها في لسانه على كثرة أسباب الاستعجام.

وهو- مع ذلك- عضو في الأسرة الإسلامية الكبرى لم يبتغ بدينه بديلًا منذ هداه الله إليه، ولم تختلف به المذاهب فيه، فَقَلَّتْ بينه أسباب الخلاف والعصبية، ومن سدّ الله عليه بابًا من أبواب الخلاف، فقد فتح له بابًا من أبواب الوفاق.

وقد جرى هذا الشعب من أجياله الأولى على خير ما في العروبة من خلال وعلى أمهات الفضائل الإسلامية، وحافظ عليها محافظة الوارث الصالح على التراث، إن لم يزد فيه لم ينقصه، وامتاز هذا الشعب بخصائص إنسانية، حظ غيره منها قليل، منها الصلابة في الحق، والكرم والصدق والصبر على الشجاعة والجد، والحفاظ للعرض والدين والكرامة، ومنها الاعتزاز بالعروبة والإسلام والشرف، حتى أنه يرضى- عند الضرورة- بإضاعة كل شيء إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>