للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعليم العربي والحكومة *

- ٦ -

... ودعانا بعد ذلك منذ سنتين آخر مدير لتلك الإدارة أو ذلك المطبخ. وهو السيد (باي) إلى المفاوضة وحلّ المشكلة بأمر من الوالي العام، وعيّن المفاوضين رسميًّا، وعيّنت جمعية العلماء الأساتذة: العربي التبسي، وأحمد بوشمال، وعبد القادر محداد، واجتمع المفاوضون مرّتين، تبيّن منهما البعد السحيق بين وجهتي النظر؛ وكان الحديث في الجلستين خاصًّا بحرية التعليم العربي، وهو أهون المشاكل وأقربها إلى الحل، فكيف لو جاوزوها إلى حرية المساجد والأوقاف وحرية القضاء الإسلامي؛ وهي المشاكل التي تجهد جمعية العلماء في حلّها، وتسعى لتحريرها، ولقد كنا في كل مفاوضة أو محادثة نشترط إعلان إلغاء جميع القوانين والقرارات القديمة المتعلّقة بقضايانا، ثم صياغة قانون واحد صريح نتفق عليه، وتكون مادّته الأولى حرية الدين وجميع متعلقاته، ولكن هذه الحكومة لم تشأ أن تلغي حرفًا واحدًا من تلك القرارات والقوانين. فلما خابت المفاوضات الأخيرة جاءني الشيخ (باي) يومًا إلى منزلي وبيده نسخة مشروع وضعه دهاقين الإدارة بالحكومة الجزائرية لتستصدر الحكومة على نمطه من مجلس الأمّة الفرنسي "قانونًا" أو من الوزارة "ديكري" (١) وكان ذلك المشروع خاصًّا بالتعليم العربي فقط ليس فيه ذكر للمساجد والأوقاف والقضاء، وفيه النص على إلغاء جميع القوانين والقرارات المتعلقة بالتعليم العربي واستبدال هذا القانون الموحّد بها. وترجمت لي تلك النسخة فإذا فيها كل ما في تلك القوانين والقرارات من روح ومعنى مع تبديل في الألفاظ ونقص لحرف وزيادة لآخر، وإذا هو هي، غير أن القديم متفرّق، والجديد مجموع. وطلب مني بكل إلحاح تجديد المفاوضة على هذا الأساس "المتين" وضرب لي أجلًا ضيّقًا، لأن الضرورة- بزعمه- تقتضي الاستعجال، فلم أقبل منه الأجل،


* نُشرت في العدد ٧٠ من جريدة «البصائر»، ٧ مارس سنة ١٩٤٩.
١) "دِيكري": كلمة فرنسية معناها مَرْسُوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>