للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ محمد الطيب عميد آل الشيخ الحواس*

(رزئ عرش ريغة العظيم بفقد هذا العظيم من رجاله، ولقد كان- رحمه الله- رجل همة وشهامة وحزم وصرامة. وكان شيخ طريقة ولكنه نزيه عن أوساخ أيدي الناس، يعطي ولا يأخذ، وله أتباع كثيرون ولكنه لا يستخدمهم ولا يترفع عليهم ولا يقبل منهم ذلًا ولا خنوعًا ويأمرهم عند مقابلته بالاقتصار على المصافحة. ولما ذهبنا لعزاء إخوانه فيه، كاتب هذه السطور والشيخ البشير الإبراهيمي والسيد عبد الرحمن بن بيبي زرنا قبره للعظة والتذكر والدعاء، فألقى الشيخ البشير الكلمة التالية وهو خير ما بين صفات الفقيد رحمه الله وعزّى أهله وقومه فيه):

في هذا البسيط الواسع وعلى هذه الهضبات الشمّاء قضيت أنا والفقيد خمس سنوات كاملة من أعمارنا لم نفترق فيها إلّا لمامًا.

خمس سنوات كاملة بلونا فيها سراء الحياة وضراءها، وتقاسمنا فيها نعيم العيش وبؤسه واعترضتنا فيها الحوادث ألوانًا فكنا نقتحمها برأيين كرأي، ونصدر عنها اثنين أشبه بواحد. خمس سنوات كاملة كنا نقرأ فيها دروسًا في العلم يحضرها الناس ودروسًا أخرى في تحليل معاني الأخوة والصداقة نستجلي فيها خفايا الأنفس ومكنونات الضمائر ولا يحضر هذه الدروس إلا هو وأنا.

خمس سنوات كاملة ولكنها مرّت كأحلام النائم وانقضت أواخرها تتعثر بأوائلها ثم ضرب الدهر بضربانه وفرّقتنا الأيام بين مشرق ومغرب، وكنّا نظن أن لا فراق فصرنا نعتقد أن لا لقاء، ثم قضى الله بجمع الشمل مرة أخرى فإذا العهد هو العهد وإذا الذي بيننا لا


* مجلة الشهاب، الجزء الثاني عشر، المجلد السابع، غرة شعبان ١٣٥٠هـ/ ديسمبر ١٩٣١م، قسنطينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>