للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرنسا وثورة الجزائر *

إذا كانت النتائج تنتزع من المقدمات فإن النصر محقق للثورة الجزائرية: هذا ما تحكم به العقول الراجحة، وتقتضيه أصول الاجتماع الإنساني وتؤيده العادات الجارية.

إنما نحن في عالم أسباب ومسببات تصطرع فيه سنن ثابتة لا تبديل فيها ولا تغيير، والثورة الجزائرية دائرة في هذا المدار من أول يوم، جارية على السنن التي يقتضيها التدافع البشري في الحياة، على مقدار من حالها وظروفها، واعداد ما يطلب مثله من مثلها، وهي تجبر نقصها في الاعداد الحسي الذي تقتضيه السنن باعداد روحاني له أثره في نتائج الصراع بين كل مجموعتين، وله وزنه في ترجيح كفة على كفة، وله قيمته في نصر العدد القليل على العدد الكثير، ذلك كله ثابت بشهادة الدين وشهادة الحس، فالقوّة المادية التي ساقتها فرنسا على المجاهدين الجزائريين في هذه الحرب تفوق قوّة الجزائريين أضعافًا مضاعفة، بل نسبة قوّة الجزائر إلى قوّة فرنسا هي نسبة الصفر ... وأين من لا يملك طائرة واحدة ممن يملك آلاف الطائرات، يزاد عليها وفرة العدد، واتصال المدد، ووفرة الأقوات، وكل ما يعرفه الناس من الأسلحة المعتادة، ولكن الجزائريين يملكون قوّة أخرى لا يملكها الفرنسيون: يملكون القوّة الروحية التي تفل كل سلاح، يملكون قوّة الإيمان الصحيح، وقوّة النفوس الطاهرة، وقوّة العزائم الثابتة، وقوّة التصميم الذي لا يطرقه الوهن، يملكون توحيد القصد وصدق التوجه، وشرف الغاية، بحيث لا يضل بهم فيها سبيل، ولا تختلف لهم فيها وسيلة، ولا يزيغ لهم رأي. ففرنسا تقاتل على باطل وهو الاستعمار، والمجاهدون يقاتلون على حق وهو عزة الحياة وكرامة العروبة ومجد الإسلام، وفرنسا تقاتل في سبيل استعباد الإنسان وامتهان كرامته، وهم يقاتلون في سبيل تحريره وإسعاده وعزته، فهل يستويان مثلًا؟


* مسودة لمقال كُتب في القاهرة، سنة ١٩٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>