للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو التوسع في العيش، أو صراعًا على الزيت والتين- وهما المادتان اللتان جلبتا الغزو الروماني لافريقيا الشمالية- صار صراعًا على ذلك وعلى الدين، وزاد في شدته أن العرب بدينهم خلفوا الرومان على حضارتهم في افريقيا، ثم لمسوهم من جبل طارق تلك اللمسة المؤلمة التي تطيروا بها وطاروا فزعًا، وظنوا أنها القاضية على روما وحضارتها وديانتها وشرائعها.

ندع الفترة الرومانية الضعيفة التي سبقت الفتح الإسلامي، وبدأت من يوم انقسام روما إلى غربية وشرقية، فهي فترة سلم اضطراري بين سكان الضفتين، وننحدر مع التاريخ إلى ضعف الأندلس بانقسام ملوك الطوائف، وتداعي اللاتين إلى ايقاد نار الثأر والانتقام، وشن الغارات على سواحل المغارب الثلاثة من سواحل تونس الشرقية إلى ما تحميه الدول الإسلامية القوية كاللمتونيين والموحدين والمرينيين، فالجزائر كان لها القدح المعلى في الجهاد، تارة منظمًا على يد الدول وبطريقة الاستنفار، وتارة أخرى- وهو الدائم الذي لا ينقطع- اختياريًا بالدَّافِع النفساني الفردي وهو الرباط الذي يشبه في جهته الفردية حرب العصابات اليوم، فكانت الثغور الجزائرية المشهورة والمهجورة وما يجاورها، وكل موضع يتطرّق منه العدو عامرة أبدًا بالمرابطين، وهم قوم نذروا أنفسهم لله ولحماية دينه يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا، لا يرزأون الحكومات شيئًا من سلاح وزاد، وإنما يتسلحون ويتزودون من مالهم ليجمعوا الحسنيين: الجهاد بالمال والنفس، وسلسلة الرباط لم تنقطع إلّا بعد استقرار الأمر لفرنسا، وإنما كانت تشتد وتخف تبعًا لما يبدو على الشاطىء الآخر من نشاط وخمود، وكانت على أشدها في المئة التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة، وكانت هذه السلسلة منتظمة في مراكش من الريف لسبتة والناظور ومليلية والتكور، ومن سواحل الجزائر للغزوات ورشغون وهنين وبني صاف والمرسى الكبير ووهران وأرزيو ومرسى الحجاج ومستغانم وتنس وشرشال وشنوة، وخليج تيبازة وسيدي فرج والجزائر وتمنتفوست ودلس وأزفون وتاقزيرت وبجاية والمنصورية وجيجل والقل وسكيكدة وعنابة والقالة، ومن تونس مرسى المرجان وبنزرت وغار الملح، والمرسى ورأس أدار وقليبية ونابل والحمامات والمعمورة والأجم وما بينهما، وسوسة وصفاقس وما بينهما، وقابس وجربة وما بينهما، وتقل في سواحل ليبيا لتوغل البحر في الجنوب، وكذلك في سواحل مصر إلّا حيث تدعو الحاجة.

أيها الإخوان:

إذا كانت الأشجار تسقى بالماء وتؤتي الثمار المختلفة فإن الثورة شجرة تسقى بالدماء فتثمر الحرية.

والسلام عليكم ورحمة الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>