للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الثلاثة، وقد حلّ به من كوارث في تاريخه الطويل ما ينسي المرء دينه ونسبه وموطنه، ولكن عقيدته في هذه الثلاثة لم تتزلزل، وأصيب منذ مائة واثنتين وعشرين سنة بالاحتلال الفرنسي، وهو في شتات من أمره، واضطراب في أحواله، لعوامل سبقت ذلك الاحتلال وكانت تمهيدًا له، فدافع عن كرامته وكرامة دينه ووطنه كما يدافع العربي الخالص والمسلم المخلص، ووقف المواقف الخالدة عشرات السنين في حماية حقيقته والذود عن حماه، مع فقد الأنصار وانقطاع الوسائل، فلما غلب على أمره خسر الدنيا وما يتبعها من مال وسلطان، ولم يخسر الدين وما معه من رجاء الله يطرد اليأس، ويحفظ الصبر، ويستنزل النصر ويبقي على الأمل، ويغري بمعاودة الكرة، ولكن عدوّه كان أنفذ بصيرة في مكامن القوة، فعلم أن سلاح المسلم هو دينه ويقينه، ثم علمه وماله، فسلّط على دينه عوامل المحو الظاهرة والخفية، ورمى يقينه بأسباب الشك الحسية والمعنوية، وحارب علمه بالتجهيل ومحق حاله بالتفقير، وضرب بينه وبين مأرزه في الشرق سورًا محكمًا، فما أفاق على صوت الدعوة الجهير من جمعية العلماء- وهو أول صوت صك آذانه وفتح أذهانه- إلا وهو فقير من دينه ودنياه، جاهل بدينه ودنياه، مفلس من عقله وفكره، مسلوب من عزيمته وإرادته، ولكن بقي فيه مكمن لم تمتدّ إليه يد الاستعمار وهو مكمن الإيمان بالله وبالنفس، والعلاقة باللغة وبالجنس، وفي هذه المعاني عوض عن كل فائت وسلوى عن كل ضائع، وعلى هذه المعاني وضعت جمعية العلماء أساس أعمالها ومن هذه النقطة بدأت السير إلى غاياتها.

____

[جمعية العلماء]

____

ليس بمبالغ من يقول: إن جمعية العلماء الجزائريين هي أعظم جمعية من نوعها في العالم الإسلامي، على شرط أن يكون ميزان المقارنة هو العمل ومادته ونتيجته، والزمان والمكان وملابساتهما، ثم الموضوع ... فإذا اعتبرنا هذه المعاني في المقارنة وجدنا جمعية العلماء الجزائريين تبذ جميع الجمعيات العاملة في الإصلاح الديني والاجتماعي، والدين يستتبع العلم، والاجتماع يستتبع السياسة، وقد وضعت الجمعية الخطوط الأولى لهذه العصور المتشابكة المتلازمة من أول يوم ثم أتبعتها في الخطوات السديدة فيها جميعًا، على نظام لا ينقض آخره أوله.

وجمعية العلماء صاحبة رسالة مقرّرة ومبدأ ثابت وهدف واضح، ومن خصائصها أن تقول وتعمل وتهدم المتداعي لتبني على أساس صحيح، وتسعى إلى الغايات بوسائلها الطبيعية

<<  <  ج: ص:  >  >>