للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- ٢ - *

في تشييع جثمان الفقيد علي الحمّامي

ــ

أيها الاخوان ... أيها الشبّان:

إن هذا التابوت الموضوع بين أيديكم لا يحمل جثمان شخص، وإنما يحمل قطعة من الوطن الجزائري فُصِلتْ عنه ثم رُدَّتْ إليه ... قطعة من الوطن الجزائري فَصَلَها عنه ظلم البشر، ثم رَدَّها إليه عدل الله.

إن الجواهر لَتُذكر بمعادنها، فإذا ذُكر اللؤلؤ ذكرت عُمَان، وإذا ذُكر الياقوت ذكرت سيلان، وإذا ذكرت الأمم ذخائرها من الرجال، وكرائمها من العقول والأذهان، أبت الأوطان إلّا أن تأخذ حظها من تشريف النسبة فقيل فلان الفلاني ... وفلان الفلاني ...

أيها الاخوان! إن الفرار من الظلم والتغرب في سبيل الحريّة طبيعة قديمة في النفوس الكريمة، وما هو فرار ولا هي غربة، وإنما هو الحق يفرّ مغلوبًا ليكر غالبًا، ويصدر مطلوبًا لِيَردَ طالبًا، سنة الله في الحرية- وهي الحق كله- ظهرت في إبراهيم حين هاجر من بابل إلى كنعان ليغرس بذور النبوة في فلسطين والحجاز، وظهرت في موسى فَفَرَّ من مصر إلى مدين ليعود إلى فرعون بآيات ربّه، وظهرت في محمد - صلى الله عليه وسلم - فهاجر من مكة إلى يثرب ليرجع إلى مكّة مجتمع القوّة مشدود الأسر.

أيها الشبّان! إن في تاريخكم لَصحائف وضّاءة بحياة المغامرين في طلب الحريّة أو في طلب الملك والمجد والسيادة، فالْتمسوها في الجاهلية من امرئ القيس وعروة الرحال، وخذوها في الإسلام من حياة صقر قريش وإدريس بن عبد الله وأبي عبد الله الشيعي، واطلبوا معاني البطولة والتضحية والإيثار من سير أبطالكم تجدوا في كل مفخرة إمامًا.


* "البصائر"، العدد ١٠٢، السنة الثالثة، ٩ جانفي ١٩٥٠، ضمن مقال الأستاذ باعزيز بن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>