للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن المشروع منه أنواع، وهو أن يكون لإعلاء كلمة الله، وكلمة الله في جملتها هي توحيده الخالص والإذعان للأحكام التي جاء بها كتابه وبيّنها نبيّه، ومنها جمع البشر على ما يسعدهم ويرفع من بينهم أسباب الشرور والعداوات.

إن رأي الإسلام في الحرب أنها مفسدة لا ترتكب إلا لدفع مفسدة أعظم منها، وأعظم مفسدة هي الوثنية التي تعطّل العقول وجميع المواهب التابعة لها المتصرفة بأمرها، وإذا تعطل العقل تعطّلت ثمراته وفوائده وأصبح الناس في حكم المجانين، وتسلطت عليهم الأوهام، وأصبح نظرهم إلى الحقائق زائغًا منحرفًا، وحسبهم نتيجة لذلك أنهم يؤلهون أشياء كلها أحط من الإنسان، ومنها ما هو من صنعه، وقد بينّا سابقًا كيف حرّر الإسلام العقل منها لأنها بخس له ولقيمته.

[المقاصد العامة في التشريع الإسلامي]

وللتشريع الإسلامي في كل قضية عامة تدعو حاجة الناس إليها وتدخل صميم حياتهم، مقاصد بعيدة المدى، شديدة المواقع، واضحة الآثار في المجتمع الإسلامي، وعلى هذه المقاصد بنيت الأحكام الفرعية، والذي يغفل عن هذه المقاصد لا يسلم من الخطإ في النظر إلى الجزئيات، ولا يضمن الإصابة في ترجيح دليل على دليل عند التعارض.

وباعتبار هذه المقاصد العامة في التشريع الإسلامي كانت الشريعة الإسلامية نظامًا اجتماعيًا كاملًا كافلًا لمصالح الجمهور ضابطًا لها، صالحًا لكل زمان ولكل مكان ولكل جنس.

وكل من يستقرئ أحكام الشريعة الإسلامية المنصوصة في المعاملات العامة، ثم يعمل نظره في استخراج هذه المقاصد، يخرج بحقيقة- ترمي إليها جميع النصوص-، وهي أن من مقاصد الإسلام إبطال الاسترقاق بالتدريج، لأن غضاضته لا تدفع إلا بإبطاله، وإذا كانت إباحته بحكمة فليكن إبطاله بحكمة.

ذلك أن الإسلام جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا وجدت قضية عامة يتجاذبها الصلاح والفساد- وهما ضدّان- فهنا تأتي حكمة الإسلام وبعد نظره ودقته في الترجيح، والإسلام لم يخترع الاسترقاق ولم ينشئه، وإنما وجده فاشيًا في العالم، درجت عليه الأمم كلها من أحقاب قديمة متطاولة، ودخل في حياتهم وتمكّن، ونزل منها منزلة الضرورات الحيوية، وتعوده الفريقان السادة والعبيد، وبنى كل واحد منهما أمره على ما قسم له من الأعمال، ورأى ان الخير فيه، وأن خروجه منه مضيعة له وقضاء على حياته، واطمأن إلى هذا كله من يوم أدرك وعقل، وقد فصلت الحياة وقوانينها والمواضعات العرفية وظائف

<<  <  ج: ص:  >  >>