للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *

- ١ -

أتمثّله متساميًا إلى معالي الحياة، عربيدَ الشباب في طلبها، طاغيًا عن القيود العائقة دونها، جامحًا عن الأعنَّة الكابحة في ميدانها، متَّقد العزمات، تكاد تحتدم جوانبه من ذكاء القلب، وشهامة الفؤاد، ونشاط الجوارح.

أتمثَّله مقدامًا على العظائم في غير تهوّر، محجامًا عن الصغائر في غير جبن، مقدّرًا موقع الرجل قبل الخطو، جاعلًا أو الفكر آخر العمل.

أتمثّله واسع الوجود، لا تقف أمامه الحدود، يرى كل عربي أخًا له، أخوةَ الدم، وكلَّ مسلم أخًا له، أخوة الدين، وكل بشر أخًا له، أخوة الإنسانية، ثم يُعطي لكل أخوّة حقّها فضلًا أو عدلًا.

أتمثّله حِلْفَ عمل، لا حليف بطالة، وحلس معمل، لا حلس مقهى، وبطل أعمال، لا ماضغ أقوال، ومرتاد حقيقة، لا رائد خيال.

أتمثّله برًّا بالبداوة التي أخرجت من أجداده أبطالًا، مزورًّا عن الحضارة التي (رمته بقشورها)، فأرخت أعصابه، وأنّثت شمائله، وخنّثت طباعه، وقيّدته بخيوط الوهم، ومجّت في نبعه الطاهر السموم، وأذهبت منه ما يُذهب القفص من الأسد من بأس وصولة.

أتمثّله مقبلًا على العلم والمعرفة ليعمل الخير والنفع، إقبال النحل على الأزهار والثمار لتصنع الشهد والشمع، مقبلًا على الارتزاق، إقبال النمل تجدُّ لتجِدَ، وتدَّخر لتفتخر، ولا تبالي ما دامت دائبة، أن ترجع مرة منجحة ومرة خائبة.

أحبّ منه ما يُحبُّ القائل:


* نشرت في العدد ٥ من جريدة «البصائر»، ٥ سبتمبر سنة ١٩٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>