للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليت شعري! هل عرف القوم أن هذا الاسم وحده مشعر بأن ما قبله إفساد، إذ لا يكون الإصلاح إلا لحالة فاسدة. فإذا تبجّحوا بأنهم بهذه الإصلاحات مصلحون فقد اعترفوا بأنهم كانوا مفسدين.

...

٦ - الديمقراطية

والديمقراطية رأي يوناني نظري جميل، منسوب إلى اسم صاحبه، وهو قائم على أن الشعب هو مصدر السلطة، ومن ثمّ فهو صاحب الحق في الحكم والتشريع، وعلى أن الأفراد متساوون في هذا الحق، ويناقضه رأي آخر يوناني النشأة أيضًا. اصطرع الرأيان في ميدان الجدل، ثم اصطرعا في ميدان العمل حتى أصبحا مذهبين في سياسة الحكم، وبابين في فلسفة الاجتماع، وكانت هذه الآراء الجميلة في الحياة مثل رأي ديموقراط تدور بين فلاسفة اليونان وقياصرة الرومان، أولئك يدرسونها جدلًا، وهؤلاء يدرسونها عملًا، إلى أن انتصف الله للحق بالإسلام، فجاء بالشورى والمساواة- حكمًا من الله- وأين حكم العقول من حكم خالق العقول؟ وجاء عمر فلقّن العالم درسًا عمليًّا في المثل الأعلى للحكم، ثم جاءت الحضارة الغربية المجتهدة في إثمار الحقول، المقلدةُ في أثمار العقول، وكان من آثار التعصب فيها للآريّة والمسيحية أنها آثرت الديمقراطية على العُمَرية، آثرتها في التسمية والنسبة، أما في التطبيق والعمل، فإن هذه الحضارة- وهي حاضنة المتناقضات- اتسعت لرأي ديمقراط ولرأي ميكيافيلّي صاحب كتاب "الأمير"، فإذا أرادت التلبيس ألبست الثاني ثوب الأول.

لم تُظلَم هذه الكلمة ما ظلمت في هذه العهود الأخيرة، فقد أصبحت أداة خداع في الحرب وفي السلم، جاءت الحرب فجندها الاستعمار في كتائبه، وجاء السلم فكانت سرابًا بقيعة، ولقد كثر أدعياؤها ومدّعوها والداعون إليها، والمدّعي لها مغرور، والداعي إليها مأجور، والدعيّ فيها لابسٌ ثوبَي زور.

أصبح استعمار الأقوياء للضعفاء ديمقراطية، وتقتيلهم للعزل الأبرياء ديمقراطية، ونقض المواثيق ديمقراطية.

لك الله أيتها الديمقراطية! ...

<<  <  ج: ص:  >  >>