للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وواعجبًا! تضيق الأوطان على رحبها بهذه المجموعة، وتحملها كلمة لا تمتّ إلى واحد منها بنسب، وإذا كنّا نسمّي من يجلب هذه المجموعة- من كبائر الإثم والفواحش إلى وطن- ظالمًا، فأظلم منه من يحشرها في كلمة شريفة من لغتنا: ليخدع بها ويغرّ، وليهوّن بها على الفرائس شراسة المفترس، وفظاعة الافتراس.

أما والله لو أن هذا الهيكل المسمّى بالاستعمار كان حيوانًا لكان من حيوانات الأساطير بألف فم للالتهام، وألف معدة للهضم، وألف يد للخنق، وألف ظلف للدوس، وألف مخلب للفرس، وألف ناب للتمزيق، وألف لسان للكذب وتزيين هذه الأعمال، ولكان مع ذلك هائجًا بادِيَ السوءات والمقابح على أسوإ ما نعرفه من الغرائز الحيوانية.

سمّوا الاستعمار تخريبًا- إذ لا تصحّ كلمة استخراب في الاستعمال- لأنه يخرّب الأوطان والأديان والعقول والأفكار؛ ويهدم القيم والمقامات والمقوّمات والقوميات.

وخذوا العهد على المجامع اللغوية أن تمنع استعمال هذه الكلمة في هذا المعنى الذي لا تقوم بحمله عربة مزابل.

...

٥ - الإصلاحات

وليهدأ بال قادة الإصلاح الديني الإسلامي، فإن إصلاحهم لا يدخل في هذا الجمع المؤنث إذ هو إصلاح حقيقي ينطبق لفظه على معناه انطباقًا عادلًا لا ظلم فيه ولا غبن. وإنما أعني هذه الإصلاحات (الفاسدة) التي يكثر الحديث عليها في هذه الأيام من الدول والحكومات، فكلّما تعالت الأصوات من الأمم المطالبة بحقّها في السياسة والحياة، كانت العُلالة التي تسكت بها الأصوات؛ كلمة الإصلاحات فتتطلّع الأعناق، وتتشوّف النفوس، ثم تفتح الأعين على مهازل لا تسدّ خلة ولا تدفع ألمًا.

والشاهد القريب (إصلاحات) الجزائر التي شكّلت لها إدارة كاملة، وحشر فيها من الموظفين جند، وخصّص لها في الميزانية مال، وقُدّر لها من العمر سنوات، ولم يكن لها من العمل إلا التقريرات والملفات وأسماء المشروعات، ويقال إنها أخذت بالحزم والحسم، فبذلت اللقب والاسم، وانتقلت من تنفيذ العهود والشرائط إلى وضع الخطط والخرائط، والبركة في الأوراق.

وقرأنا عن إصلاحات المغرب وإصلاحات تونس وإصلاحات أخرى تُصاغ من وراء البحر للجزائر، فقلنا: ما أشبه حجل الجبال بألوان صخورها.

<<  <  ج: ص:  >  >>