للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث رمضان]

تصحيح الجهاد *

ــ

لم تبتذل كلمة عربية مثل ما ابتذلت كلمة "الجهاد" على ألسنة هذا الجيل في الشرق الإسلامي، فلعلّها أصبحت أكثر الكلمات دورانًّا على الألسنة، وسيرورة في الأفواه، ووصفًا بها لكل غاد ورائح، ومع هذا الدوران الكثير لا توجد كلمة أفرغ من معناها منها.

والكلمات الفارغة من المعاني كالأجساد الفارغة من الأرواح: تلك كلمات ميتة وهذه أجساد ميتة، وما كانت الأجساد نافعة إلا بالأرواح، ولا تكون الكلمات صادقة إلا بتحقيق معانيها في الخارج، والأرواح في الأجساد، والمعاني للألفاظ هما معنى الحياة وما تستتبعه من آثار.

تساهلنا في هذه الكلمة ومشتقاتها حتى أصبحنا نطلقها على كل عمل سخيف، ونصف بها كل عامل ضعيف، واستطابها العجزة القاعدون منّا فأصبحوا يطربون لوصفهم بها، ويبذلون الكرائم لتحليتهم بوصفها، وملك التساهل على الألسنة والأقلام أمرها فأصبحت تضع هذه الكلمة وغيرها في غير موضعها وتجود بها على غير مستحقّيها.

أتدرون لماذا يغضب الناس من وصفهم بالمكروهات ولو كانت موجودة فيهم، ولا يغضبون لوصفهم بالمحبوبات إذا كانت مفقودة منهم؟ فالبخيل المسيك يأنف أن يوصف بالبخل ويطرب إذا وصفته بالكرم، والجبان الرعديد يغضب أن يوسم بالجبن، ويرتاح إذا وصفته بالشجاعة.

علّة العلل في ذلك هي ضعف التربية الأخلاقية فينا معشر الشرقيين، وبعد المسافة بين القول والعمل عندنا، واختلال الموازين العقلية في تقديرنا، ونسياننا للواقع حين نتناول


* مجلة "المسلمون" السنة الثالثة، العدد السابع، رمضان ١٣٧٣هـ / ماي ١٩٥٤م.

<<  <  ج: ص:  >  >>