للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دمعة على المنصف *

يعزّ على هذا القلم الذي لا يكاد يجف مداده، ولا تنقطع من القريحة أمداده، أن تصاب تونس العزيزة في مناط أملها، بل في نياط قلبها، فلا يُسمع له جرس، ولا يصرّ بكلمة على طرس.

يعزّ على هذا القلم الذي براه الباري لينضح العسل المصفّى للمقسطين، وينطف الصاب والحنظل للقاسطين، ويرسل الحُمم مدرارًا على المستعمرين، أن تنتهي مظلمة المنصف إلى غايتها الشنعاء من موت الغربة، ومهانة الأسر، وتعنّت الاستعمار، فلا يشنّها شعواء على التعنّت والمتعنتين.

يعزّ على هذا القلم الذي شدَّ الحق أزره، وسدّد المنطق رمايته، أن يموت المنصف غريبًا، مظلومًا، مسلوب التاج، فلا ينفث كلمة تبعث الشجى وتثير الشجن وتحلّ عقدة الرواية.

يعزّ على هذا القلم أن يصرخ الناعي لموت المنصف فلا يجري، وأن يثوّب الداعي بمري الشؤون فلا يمري، وأن تطير نفس تونس الولهانة شعاعًا فلا يتقسّم شظايا، وأن يجب حق الجار فلا يكون أولَ الناهضين بفرضه.

يعزّ على هذا القلم أن تقف به الأقدار موقفَ السيف من يد الجبان، وأن يقعد من ورائه كلالُ الذهن، وجمود القريحة، وفتور الأعصاب حائلات بينه وبين القيام بالواجب.


* نشرت في العدد ٤٩ من جريدة «البصائر»، ١٣ سبتمبر سنة ١٩٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>